لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق

لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق

المغرب الرياضي  -

لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق

بقلم : خيرالله خيرالله

تريد إيران تعميم تجربة الميليشيات المذهبية وتوابعها في كلّ بلد عربي تستطيع الوصول إليه. يظهر أن نجاحها في العراق شبه كامل، فيما يبقى محدودا في لبنان.

مسكين العراق. إذا كان الانقلاب العسكري الذي وقع في الرابع عشر من تموزـ يوليو 1958 بداية مرحلة الانحدار التي توجت بالغزو الأميركي في العام 2003، فإنّ الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لهذا الانقلاب جاء ليكرّس الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة العراقية، أو ما بقي منها.

كان ظهور “الحشد الشعبي” في العرض العسكري الذي أقيم في بغداد يوم الرابع عشر من تمّوزـ يوليو 2016 نهاية معلنة للجمهورية العراقية، ذلك أن “الحشد الشعبي” ليس سوى ميليشيات مذهبية لا مهمّة فعلية لها سوى القيام بعمليات تطهير لمناطق عراقية معيّنة. تستهدف عمليات التطهير هذه كلّ ما هو سنّي عربي في العراق.

ليست الميليشيات المذهبية سوى أدوات إيرانية لا أكثر ولا أقلّ تستخدم في تصفية بقايا الدولة العراقية. لعلّ أخطر ما في الأمر موافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي على مشاركة “الحشد” في العرض العسكري إلى جانب وحدات من الجيش العراقي، إضافة إلى رعايته العرض.

عندما يقبل جيش أن يكون في مستوى ميليشيا مذهبية، فألف سلام على هذا الجيش الذي أصرّ المفوّض السامي الأميركي بول بريمر على حلّه في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين وسقوط العراق تحت الاحتلال الأميركي.

لا يمكن الدفاع عن النظام الذي أقامه صدّام حسين، لا لشيء سوى لأن هذا النظام لم تكن له علاقة بالاعتبارات الحضارية والإنسانية بأيّ مقياس من المقاييس. تكفي الحروب التي خاضها من أجل التأكّد من ذلك. خاض حربا طويلة مع إيران ليس معروفا هل كان في استطاعته تفاديها. استهلكت هذه الحرب خيرة الشباب العراقي واستنزفت ثروات العراق ودول الخليج.

وحده التاريخ سيحكم هل كان في الإمكان اللجوء إلى خيار آخر غير الحرب، خصوصا أنّ الهجوم العراقي على إيران واحتلال قسم من أراضيها جعل الشعور القومي الفارسي يستفيق فيها. وقد عرف نظام الخميني كيفية الاستفادة من ذلك إلى أبعد حدود واضعا الجيش الذي كان يمكن أن ينقلب عليه في مواجهة مع القوات العراقية..

كذلك، احتل العراق الكويت في عهد صدّام. كيف يمكن لبلد احتلال بلد آخر وتشريد شعبه بحجة حصول خلاف في شأن أسعار النفط أو في شأن بعض الآبار النفطية على الحدود بين البلدين. أدخل صدّام العراق في منطق اللامنطق، لكن مؤسسة الجيش بقيت، في كلّ وقت، صامدة إلى حدّ كبير ورفضت النزول إلى مستوى ميليشيا تحت أيّ مسمّى من المسمّيات. صحيح أنّه كان هناك “جيش شعبي” في عهد صدّام، إلّا أن هذا “الجيش الشعبي” لم يستطع يوما وضع الجيش العراقي تحت مظلته.

على العكس من ذلك، بقي الجيش العراقي يتمتع بوضع خاص وبقي لمعظم كبار ضباطه رأيهم، وإن كان غير معلن، بصدّام حسين ورتبه العسكرية وأوسمته. اضطر الأخير إلى اختراع رتب عسكرية لنفسه، مثل رتبة “المهيب” وذلك كي يقول إنّه ينتمي بطريقة أو بأخرى إلى المؤسسة العسكرية التي بقي في نهاية المطاف عالة عليها ومرفوضا منها.

لدى التمعّن في مشهد العرض العسكري المشترك بين الجيش و”الحشد” في الرابع عشر من تمّوزـ يوليو 2016، نجد الجيش العراقي أقرب إلى المغلوب على أمره. يبدو أن إيران نجحت أخيرا، في ضوء الحرب المشتركة التي خاضتها مع “الشيطان الأكبر” على العراق، في الانتهاء من الجيش العراقي ووضعه تحت حماية “الحشد الشعبي”، أي حماية الميليشيات المذهبية التي تولّت أمن العرض العسكري الذي أقيم في بغداد. فرضت ميليشيات “الحشد الشعبي” إجراءات في أحياء معيّنة من بغداد في أثناء العرض العسكري، فيما كان الجيش في موقع المتفرّج الذي لا حول له ولا قوّة.

    ظهور "الحشد الشعبي" في العرض العسكري الذي أقيم في بغداد يوم الرابع عشر من تموزـ يوليو 2016 كان نهاية معلنة للجمهورية العراقية، ذلك أن "الحشد الشعبي" ليس سوى ميليشيات مذهبية لا مهمة فعلية لها سوى القيام بعمليات تطهير لمناطق عراقية معينة

نجحت إيران في العراق حيث فشلت في لبنان. لبنان لا يزال يقاوم ما تحاول إيران فرضه عليه عبر رفع “حزب الله” شعار “الشعب والجيش والمقاومة” وتمريره في البيانات الوزارية للحكومات المتلاحقة وذلك عن طريق التهديد بالسلاح.

تريد إيران تعميم تجربة الميليشيات المذهبية وتوابعها في كلّ بلد عربي تستطيع الوصول إليه. يظهر أن نجاحها في العراق شبه كامل، فيما يبقى محدودا في لبنان.

أمّا في اليمن، فقد استطاعت في مرحلة معيّنة جعل الميليشيا المسماة “أنصار الله” تتمدد في كلّ الاتجاهات قبل أن تضع “عاصفة الحزم” حدّا لذلك. وهذا ما يفسّر ذلك الحقد الإيراني على المملكة العربية السعودية والذي يعبّر عنه باستمرار قادة “حزب الله” وأبواقه بوضوح ليس بعده وضوح.

لا يزال الجيش اللبناني يشكّل مؤسسة محترمة إلى حدّ كبير، فيما لم يعد الجيش العراقي سوى تابع للميليشيات المسمّاة “الحشد الشعبي” والتي قائدها الفعلي الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني. يمكن الكلام عن صمود نسبي للبنان على الرغم من “المربعات الأمنية” التي أقامها “حزب الله” في مناطق عدّة لا يستطيع أحد غيره دخولها وعلى الرغم من سعيه إلى اختراق الطائفة السنيّة عبر ما يسمّى “سرايا المقاومة”. تبقى “السرايا” ظاهرة هامشية مرتبطة إلى حدّ كبير بحاجة بعض اللبنانيين إلى من يؤمّن لهم رواتب شهرية!

في الرابع عشر من تمّوزـ يوليو 1958، بدأ العدّ العكسي لانهيار الدولة العراقية. أعطت الطريقة التي قُضي بها على العائلة المالكة في ذلك اليوم المشؤوم فكرة عمّا سيكون عليه العراق.

بعد ثمانية وخمسين عاما، لم تعد من حاجة إلى الدخول في تكهّنات من أيّ نوع. مصير العراق صار واضحا. إنّه بلد يقبل فيه رئيس الوزراء رعاية عرض عسكري لميليشيات مذهبية تسرح وتمرح على هواها وتحرّك من طهران.

عندما يصبح العراق في هذا الوضع، لا يعود مستغربا أن يجد “داعش” حواضن له. هناك رغبة لدى الدولة العراقية الجديدة، وهي دولة تابعة لا أكثر، في عمل كلّ ما يمكنه وضع “داعش” في الواجهة. ليس “داعش” سوى جزء من المخطط الإيراني الهادف إلى تكريس الشرخ المذهبي في العراق ومتابعة حملات التطهير ذات الطابع المذهبي.

في هذا الجو لا يعود مستغربا أيّ موقف يتّخذه الأكراد للمحافظة على حقوقهم الوطنية. المستغرب أن يوقّع رئيس الجمهورية الكردي فؤاد معصوم أحكاما بالإعدام تحت ضغط الميليشيات الشيعية.

ولكن في ظلّ ما يفعله رئيس الوزراء الحالي الذي لا يشبه سوى سلفه نوري المالكي، لا يعود أيّ تصرّف غريبا في العراق، البلد الذي لم يعد فيه رجال دولة منذ زمن بعيد.

الغريب أن لا يوجد من ينعى بشكل علني بلدا كان مؤهلا في مرحلة معيّنة، خصوصا بسبب امتلاكه نظاما تعليميا متطورا. مثل هذا النعي يسهّل في أسوأ الأحوال الاعتراف بأمر واقع يتمثل في أن إيران وضعت يدها على جزء كبير من العراق. هل مثل هذا الأمر مسموح به من المنظور التاريخي، خصوصا أن إيران لا تمتلك أيّ نموذج تقدّمه لا للعراق ولا لغير العراق.

تشبه تجربة إيران في العراق، إذا وضعنا الحقد والرغبة في الانتقام جانبا، انتصار برلين الشرقية على برلين الغربية في مرحلة ما قبل إعادة توحيد المدينة. صحيح أن العراق ليس برلين الغربية، لكنّ الصحيح أيضا أنّه ليس لدى إيران ما تعلّمه للعراقيين باستثناء إغراقهم في التخلف وفي مزيد من التخلف مستخدمة سلاح الميليشيات المذهبية..

GMT 07:49 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من بضاعة إيرانية جديدة؟

GMT 07:46 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب استنزاف في الجزائر

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:45 2019 السبت ,27 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

GMT 07:54 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق لماذا لا يصدر نعي رسمي للعراق



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib