اليمن والخليج والتحول الأميركي

اليمن والخليج والتحول الأميركي

المغرب الرياضي  -

اليمن والخليج والتحول الأميركي

بقلم : خير الله خير الله

برحيل باراك أوباما عن البيت الأبيض، تغيّرت إلى حد كبير قواعد اللعبة السياسية في مناطق كثيرة من العالم، بما في ذلك اليمن. ظهرت إشارات عدة توحي بأن إدارة دونالد ترامب تعي، إلى حدّ ما، ما هو على المحك في اليمن ومعنى الانتشار الإيراني في ذلك البلد المهمّ استراتيجيا، وصولا إلى محاولة السيطرة على باب المندب. هذا المضيق ممرّ مائي دولي لا يمكن أن يكون تحت رحمة إيران، خصوصا أنّه يؤدي إلى قناة السويس.

لم يكن أوباما، الذي وضع نصب عينيه حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني، في وارد الإقدام على أيّ خطوة يمكن أن تزعج إيران. لا في سوريا ولا في العراق ولا في لبنان ولا في اليمن. كان همّه محصورا باسترضاء إيران. كان الملفّ النووي يختصر بالنسبة إليه كلّ مشاكل الشرق الأوسط وأزماته. لم يرد أن يفهم يوما معنى التدخل الإيراني في اليمن وأبعاده.

في السنوات الأربع الأولى من عهد أوباما، كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية. كانت كلينتون أكثر جرأة من رئيسها في التصدي للمشروع التوسعي الإيراني، لكنها لم تعترض على الخطوة الأخطر التي أقدم عليها الرئيس الأميركي وقتذاك والمتمثلة بالانسحاب الأميركي العسكري من العراق. حصل هذا الانسحاب في العام 2010 ولم يكن في واقع الحال سوى استسلام لإيران ولرغبتها في أن يكون نوري المالكي رئيسا للوزراء. سلّم جورج بوش الابن العراق لإيران عندما أسقط النظام البعثي في نيسان – أبريل من العام 2003، لكنه سعى إلى إيجاد توازن ما داخل البلد بإبقائه على وجود عسكري فيه. ما لبث أوباما أن استكمل خطوة سلفه متخليا عن آخر ورقة أميركية في العراق. كان ذلك في السنة 2010 حين انسحب عسكريا تاركا لإيران أن تفعل ما تشاء وصولا إلى ما نحن عليه اليوم. العراق اليوم تحت السلطة المباشرة لإيران ممثلة بتجمع ميليشيوي مذهبي اسمه “الحشد الشعبي”.

لم تستطع هيلاري كلينتون في 2010 الاعتراض بأي شكل على القرار الذي اتخذه أوباما والقاضي بالاستسلام لإيران في العراق. استسلمت لأوباما الذي استسلم بدوره لإيران. ما نشهده اليوم على الأرض العراقية نتيجة طبيعية لسياسة أوباما. يكفي لتأكيد ذلك أنّ وزير الداخلية العراقي هو قيس الخزعلي. الخزعلي من قادة “الحشد الشعبي” ومن قادة الميليشيات المذهبية العراقية التي عملت في الماضي بإشراف إيراني مباشر، خصوصا عندما كانت إيران في حرب مع العراق بين 1980 و1988. هذه الميليشيات المذهبية منتشرة في كلّ مكان، بما في ذلك اليمن. صارت هذه الميليشيات عنوانا للانتشار الإيراني في المنطقة. في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كانت هناك أيضا مساع لتكون الميليشيات الإيرانية حاضرة في البحرين لولا اليقظة الخليجية في حينه.

لا يمكن عزل الحال اليمنية عن الانتشار الميليشيوي الإيراني في المنطقة. لذلك من المهمّ متابعة التطور في النظرة الأميركية الجديدة إلى اليمن، وإلى أهمّية الممرات المائية في المنطقة، وهي ممرات مستهدفة إيرانيا.

ليس صدفة أن تردّ إيران، وإن من دون طائل، على استعادة قوات يمنية ميناء المخا من الحوثيين. هناك أهمية كبيرة لميناء المخا الذي يمكن منه التحكّم بباب المندب. بعد انسحاب “أنصار الله” من المخا، هاجمت زوارق للحوثيين فرقاطة سعودية وألحقت بها أضرارا. الأهمّ من ذلك كان ردّ الفعل الأميركي الذي وضع الاعتداء الإيراني على الفرقاطة السعودية في سياق السياسات المدانة التي تنتهجها إيران والتي شملت أخيرا تجربة صاروخ باليستي.

ليس سرّا أن إيران تستغل نفوذها الذي توفّره الميليشيات المذهبية التابعة لها لتقول إنّها قوة إقليمية وأن لديها نفوذها الذي يصل إلى بيروت وجنوب لبنان، فضلا عن الشاطئ السوري. بكلام أوضح، تريد إيران أن تقول إنّها ليست فقط دولة خليجية، بل هي متوسطية أيضا، كما هي دولة مواجهة على تماس مع إسرائيل. لذلك وقعت اتفاقات مع النظام السوري في شأن ضمان وجود لها على الساحل بموازاة الوجود الروسي. ليس اليمن بالنسبة إلى إيران مجرد شوكة تضعها في خاصرة السعودية تحديدا ودول الخليج العربي عموما. اليمن أيضا ساحل طويل يسمح بالسيطرة على عدد لا بأس به من الممرات المائية الدولية وطرق الملاحة التي تهمّ الدول المصدرة للنفط. هذا ما تنبّه إليه قادة خليجيون يمتلكون رؤية إستراتيجية وبعد نظر.

يعكس الموقف الأميركي الجديد فهما مختلفا لأهمّية اليمن وللمطامع الإيرانية في هذا البلد والمنطقة المحيطة به، من خليج العرب إلى القرن الأفريقي. كان دعم إيران للحوثيين (أنصار الله) يُقابل في الماضي باستهزاء المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يقولون دائما إن “المهم هو الحرب على القاعدة” وأن قضية الحوثيين قضية داخلية يمنية. نعم، كانت الحرب على “القاعدة” في غاية الأهمّية، لكنّ الحدّ من النفوذ الإيراني في اليمن لم يكن أقلّ أهمّية عن تلك الحرب. استخفّ المسؤولون الأميركيون دائما بالعلاقة بين إيران والحوثيين، حتّى خلال الحروب الست التي خاضها علي عبدالله صالح معهم بين 2004 و2010.

لا شكّ أن الحوثيين جزء لا يتجزّأ من النسيج اليمني. لكنّهم ليسوا كلّ اليمن، بل ليسوا كلّ الشمال اليمني. استطاعوا الاستفادة إلى أقصى الحدود من الانقلاب الذي قام به الإخوان المسلمون والذي استهدف علي عبدالله صالح وذلك تحت غطاء “الربيع العربي” و”ثورة الشباب”. وصلوا إلى صنعاء وسيطروا عليها في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. ما زالوا مقيمين فيها بعدما دخلوا في حلف جديد مع الرئيس السابق الذي سبق لهم وانقلبوا عليه في 2003 بعدما لعب دورا في إطلاقهم وربطهم بطريقة أو بأخرى بطهران وأدواتها الإقليمية.

سيستمر “التحالف العربي” في التقدم على جبهات عدّة في اليمن وذلك لمصلحة قوات “الشرعية”. الأكيد أن الإدارة الأميركية الجديدة أكثر فهما واستيعابا لطبيعة التحدي الذي يشكّله اليمن بالنسبة إلى دول الخليج العربي. كان هذا التحدّي وراء انطلاق “عاصفة الحزم” في آذار ـ مارس من العام 2015.

ليس صحيحا أن “عاصفة الحزم” لم تحقق قسما من أهدافها. لكنّ الثابت أن ثمّة حاجة إلى تأقلم خليجي مع التحوّل الأميركي وذلك من أجل تحقيق النتائج المرجوّة والمتمثّلة في الحلّ السياسي. هذا ليس ممكنا من دون إعادة نظر في العمق في تركيبة ما يسمّى “الشرعية” بحثا عن مثل هذا الحل السياسي في بلد لا أحد يستطيع إلغاء أحد فيه. هذا على الأقلّ ما كشفته المعارك في محيط صنعاء حيث كرّ وفرّ لا ينتهيان.

في نهاية المطاف، من المهمّ تحقيق انتصارات عسكرية في المحافظات الجنوبية وتلك الواقعة في مناطق الوسط وعلى طول الساحل اليمني. سيظلّ السؤال المطروح كيف البناء سياسيا على هذه الانتصارات المبنية على العزيمة الخليجية من جهة، والتي يمكن أن يسهلها الاستيعاب الأميركي، وإن المتأخّر للخطر الإيراني على دول المنطقة، وعلى الاستقرار فيها من جهة أخرى.

المصدر : صحيفة العرب

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

GMT 08:49 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

قمم مكّة تكشف إيران

GMT 04:38 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

الحذر المغربي.. والأزمة الجزائرية

GMT 08:18 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

جدّية أميركا مع إيران… سؤال 2019

GMT 11:16 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

أنفاق ونفاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن والخليج والتحول الأميركي اليمن والخليج والتحول الأميركي



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

إصابة لاعبة جمباز صينية خلال إحدى البطولات

GMT 14:32 2015 الخميس ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب "البايرن" فرانك ريبيري يؤكد عودته للملاعب قبل 2016

GMT 22:54 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الفتح يطير إلى تونس لمواجهة الصفاقسي

GMT 00:30 2015 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

جون توشاك يؤكد أن هدف "القنيطري" صعب من مهمة "الوداد"

GMT 16:54 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

رجال "طائرة الأهلي" يخوضون التدريبات على فترتين

GMT 01:23 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

شوقي السعيد يكشف أسباب خلافه مع إدارة "الإسماعيلي"

GMT 20:06 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

إدارة الوداد تصدم لاعبها رشيد حسني

GMT 11:59 2016 الجمعة ,12 شباط / فبراير

السالمية يستضيف اليرموك في الدوري الكويتي

GMT 15:24 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

لاعبة التنس الروسية إيلينا فيسنينا تنتظر مولودها الأول

GMT 05:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة تبادلية مرتقبة بين الفيصلي وشباب الأردن

GMT 16:10 2017 الإثنين ,29 أيار / مايو

الجيش يعرض 40 ألف دولار لفسخ عقد يونس حمال

GMT 20:08 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

بلاتر يواصل خوض "حرب الشرف" أمام إنفانتينو

GMT 17:16 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

"البايرن" يتوج بطلًا للشتاء بثنائية على "إنغلوشتات"

GMT 09:19 2024 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إشادة بأداء اللاعب إبراهيم دياز مع المنتخب المغربي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib