رستم غزالة الذي مات على دفعات

رستم غزالة... الذي مات على دفعات

المغرب الرياضي  -

رستم غزالة الذي مات على دفعات

خيرالله خيرالله

 

في الواقع مات رستم، قبل عشر سنوات من موته جسديا. مات، مع انتهاء صلاحيته في اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية من لبنان على دم رفيق الحريري ورفاقه.

هناك أشخاص يموتون على دفعات. أحد هؤلاء رستم غزالة الضابط السنّي في الجيش السوري الذي أعلنت وفاته قبل أيّام، بعد أسابيع قليلة من خروجه من موقع مدير شعبة الأمن السياسي.

في الواقع مات رستم، قبل عشر سنوات من موته جسديا. مات، مع انتهاء صلاحيته في اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية من لبنان على دم رفيق الحريري ورفاقه.

مات رستم غزالة نظريا قبل عقد من الزمن، بعدما أدّى الدور المطلوب منه في مرحلة معيّنة. كان دوره محصورا، وقتذاك، بتأكيد أن هناك مرجعية سورية جديدة بالنسبة إلى اللبنانيين ولبنان. إنّها المرجعية التي أتت بإميل لحّود رئيسا للجمهورية في العام 1998. كان مطلوبا مكافأة إميل لحّود على منعه أيّ محاولة جدّية، من أيّ نوع، لنشر الجيش في جنوب لبنان تمهيدا للانسحاب الإسرائيلي الذي كان مطروحا بشكل جدّي تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978.

هذه المرجعية السورية الجديدة تختلف تماما عن تلك التي كانت معتمدة سابقا، قبل أن يحلّ بشّار الأسد مكان والده بشكل تدريجي، وصولا إلى خلافته في منتصف العام ألفين. هذا لا يعني في أي شكل أن المرجعية القديمة كانت صالحة، وغير فاسدة، على الرغم من إصرار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على الإشادة في كلّ مناسبة بأحد أركانها، هو العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان السابق. كان الشهابي من سنّة الأطراف الذين كانوا موضع ثقة حافظ الأسد، ولكن كان مطلوبا إبعاده في مرحلة الإعداد لخلافة بشّار لوالده.

تأكيد وجود مرجعية جديدة للبنان، كان معنى حلول رستم غزالة السنّي مكان غازي كنعان العلوي في السنة 2002. كان مطلوبا من اللبنانيين أخذ علم بسياسة مختلفة في سوريا، تقوم أوّل ما تقوم على التعاون الكامل مع “حزب الله” بصفة كونه ذراعا إيرانية.

لم يكن رستم، بحدّ ذاته، يوما شخصا مهمّا. قصته تختزل قصص عشرات الضبّاط السنّة، الآتين من خلفية اجتماعية متواضعة، في الجيش السوري. على هؤلاء أن يثبتوا يوميا مدى ولائهم للنظام العلوي، ومدى الاستعداد للذهاب بعيدا في ممارسة كلّ أنواع القمع من أجل إثبات أنّهم يستأهلون الثقة التي وُضعت فيهم. كان ذلك واجبا يوميا مفروضا على كلّ ضابط في ضوء الكره الذي كان يكنّه حافظ الأسد لسنّة المدن الكبيرة، الذين سارع إلى إبعادهم عن أي موقع مهمّ في المؤسسة العسكرية، تمهيدا لتهميشهم سياسيا.

كانت المرحلة التي حلّ فيها رستم غزالة مكان غازي كنعان، مرحلة الضغط على رفيق الحريري بطلب مباشر من بشّار الأسد الذي بدأ منذ ما قبل توليه الرئاسة، أي منذ راحت الحال الصحّية لوالده تتدهور في العام 1998، يركّز على خطّ سياسي جديد. فحوى هذا الخط الاستسلام كلّيا لإيران ولـ“حزب الله” بدل اعتماد نوع من التوازن بين ما هو عربي وغير عربي في المنطقة… من منطلق علوي أوّلا.

برع حافظ الأسد في إتقان لعبة التوازن، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الأرض اللبنانية حرص دائما على أن يكون “حزب الله” في خدمته كورقة تستخدم في منع بناء مؤسسات الدولة اللبنانية وتستنزف الجنوب اللبناني وأهله. كان خوف الأسد الأب من عودة الدولة اللبنانية القوية المعافاة، ومن غياب القدرة على إبقاء جرح الجنوب اللبناني جرحا نازفا يعوّض عن التفاهم الضمني مع إسرائيل الذي أغلق جبهة الجولان في العام 1974. كانت هناك نقاط التقاء كثيرة بين حافظ الأسد وإيران. لكنّه كان يدرك في كلّ وقت أن عليه إخفاء الإرتباط المذهبي بها كي يتمكن بين وقت وآخر من المحافظة على هامش مناورة مع العرب الآخرين.

تكمن أهمّية رستم غزالة في أنّه تعبير عن مرحلة لعب فيها الدور المطلوب منه. ذهب رستم بعيدا. تحوّل من ضابط صغير جاء إلى لبنان وكان ثمنه “غروس مارلبورو” (عشر علب مارلبورو)، على حدّ تعبير شخص عرفه في بلدة حمّانا الإستراتيجية، إلى وصيّ على البلد. لم تعد تكفيه ملايين “بنك المدينة” الذي طلب بشّار الأسد من الشهيد رفيق الحريري في الشهر الأخير من السنة 2003 عدم الإشارة إليه في وسائل الإعلام التابعة له، لا من قريب ولا من بعيد. لم يكن الطلب بلغة مهذّبة بأي شكل من الأشكال، بل كان مرفقا بتهديد كان ثلاثة ضباط، أحدهم رستم، شهودا عليه.

تحكي قصة رستم غزالة، قصة الضابط السنّي المصرّ على تسلّق السلّم في نظام علوي، صار مع بشّار الأسد نظاما عائليا، مأساة سوريا بكلّ أبعادها.

فبعد الخروج العسكري والأمني من لبنان، صار رستم مضطرا إلى تلقي الضربة تلو الأخرى، خصوصا أنّه كان يعرف الكثير عن لبنان والفضائح السورية فيه، وعن المراحل التي مرّ بها الإعداد لاغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005.

من الصعب الجزم بأن رستم كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد للجريمة، ذلك أن مثل هذه التفاصيل تبقى ضمن دائرة ضيقة جدا في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون شيئا عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته، وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصا في سوريا ولبنان…

مات رستم موتا بطيئا. عرف أنّه انتهى في السادس والعشرين من أبريل 2005، يوم غادر آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية. في سوريا، عاد رستم ضابطا سنّيا لا أكثر، أي ضابطا من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يوميا برضا مسؤوله العلوي. لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني، أوّل ما يعني، ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته الثائرين على النظام.

هل من قصاص أكبر من هذا القصاص الذي لا يليق سوى بمن على شاكلة هذا النوع من الضبّاط؟

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رستم غزالة الذي مات على دفعات رستم غزالة الذي مات على دفعات



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 20:49 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 02:47 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هزيمة ثقيلة تهز عرش نوفاك جوكوفيتش وتبعده عن ناصية حلمه

GMT 18:27 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

النسخة السادسة لرالي المسيرة الخضراء تشهد مشاركة 100 متسابق

GMT 01:30 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

جمهور ريال مدريد يُبدي رأيه حول بيع تشيريشيف

GMT 22:40 2016 الإثنين ,25 إبريل / نيسان

كوك وجاميرو يقودان إشبيلية للفوز على ريال بيتيس

GMT 22:00 2016 الإثنين ,03 تشرين الأول / أكتوبر

برشلونة يمر بأسوأ حقبة له منذ 2005

GMT 03:55 2014 الأربعاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نسعى لتقديم الأفضل ونتمنى من الجماهير دعمنا في البطولات

GMT 02:41 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

محمد علوي ينفي تأثر معنويات "الفدائي" من مباراة اليابان

GMT 13:27 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

قطر يهزم أوزبكستان في كأس آسيا للمنتخبات الأولمبية

GMT 00:05 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ماسكيرانو يقر بالتهرب من دفع ضرائب بقيمة 1.5 مليون يورو

GMT 15:10 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

فاخر يؤكد أن "التسجيل الصوتي" سبب التعادل أمام "طنجة"
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib