ما يجمع بين البعث وحزب الله

ما يجمع بين البعث و'حزب الله'

المغرب الرياضي  -

ما يجمع بين البعث وحزب الله

خيرالله خيرالله

قبل لبنان، كان الثامن من آذارـ مارس، تاريخ شؤم في سوريا. في مثل هذا اليوم من العام 1963، نفذ حزب البعث انقلابا عسكريا استهدف تدمير سوريا بشكل تدريجي.

في الثامن آذار ـ مارس من كلّ سنة، لا نتذكّر فقط حركة “الثامن آذار” في لبنان، وهي كناية عن تظاهرة كبيرة لـ”حزب الله” جاءت بعد ثلاثة أسابيع على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005. خطب في تلك التظاهرة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله وكان عنوان خطابه: “شكرا سوريا”. هل أراد شكر النظام السوري على تغطية اغتيال رفيق الحريري، في أقلّ تقدير، أم شكره على هذه التغطية التي ستقود إلى الانسحاب السوري العسكري والأمني في لبنان تاركة لـ”حزب الله” ملء هذا الفراغ؟

في كلّ الاحوال، سارت الأمور في لبنان بعد الثامن من آذار ـ مارس 2005 في اتجاه مرحلة جديدة واجه فيها “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، إرادة اللبنانيين ورغبتهم في الحرية والسيادة والاستقلال وصولا إلى ما نحن عليه الآن من وضع يد إيرانية على البلد. لعل أفضل تعبير عن وضع اليد هذه التي قاومها اللبنانيون وما زالوا يقاومونها بأجسادهم العارية، منع انتخاب رئيس للجمهورية وذلك بعد أقل بقليل من سنتين على خلوّ موقع الرئاسة في البلد.

قبل لبنان، كان الثامن من آذارـ مارس، تاريخ شؤم في سوريا. في مثل هذا اليوم من العام 1963، نفّذ حزب البعث انقلابا عسكريا استهدف تدمير سوريا بشكل تدريجي، وذلك بعد محاولات لإعادة بناء الحياة السياسية في البلد استمرّت أقل من سنتين. بدأت هذه المحاولات في أيلول ـ سبتمبر 1961، شهر انتهاء الوحدة مع مصر.
    
سيصمد لبنان
    

لم يكن الثامن من آذار السوري أقلّ سوءا من الثامن من آذار اللبناني. ففي الحالين، هناك فلسفة جديدة في الحكم تقوم على البناء على الهزيمة وتحويلها انتصارا. في سوريا، انتصر البعث الذي انبثق منه النظام العلوي ثم نظام العائلة الحاكمة على سوريا والسوريين. وفي لبنان، انتصر “حزب الله” بعد رفعه شعار “المقاومة” على لبنان واللبنانيين وذلك إرضاء للمشروع التوسّعي الايراني الذي يستثمر في إثارة الغرائز المذهبية.

منذ ما قبل العام 1963، أي منذ ما قبل وصول البعث إلى السلطة تنتقل سوريا من كارثة إلى أخرى. تمثّلت الكارثة الأولى في الوحدة غير الطبيعية مع مصر التي أسست في العام 1958 لنظام أمني راح يقضي على الحياة الحزبية والسياسية والنظام الاقتصادي الحرّ شيئا فشيئا.

جاء نظام البعث ليشكل في 1963 استمرارا لما بدأ في 1958. خرجت كل النخب السورية من سوريا. لم يعد من مكان سوى لعسكريين جهلة أزاحوا في البداية البعثيين المدنيين من السلطة وما لبثوا أن حوّلوا النظام إلى نظام طائفي تحت سيطرة ضباط علويين في البداية، مثل صلاح جديد ومحمّد عمران وحافظ الأسد، ثمّ تحت سيطرة الأسد الأب الذي انفرد بالسلطة ابتداء من خريف العام 1970. مهّد ذلك لقيام نظام العائلة الحاكمة مع التابعين لها منذ خلافة بشّار الأسد لوالده في صيف العام 2000.

في كلّ المحطات التي مرّ فيها هذا النظام، كانت لديه القدرة على الاستفادة من الهزائم وتحويلها إلى هزائم للشعب السوري وانتصارا للنظام. صبّ حرمان سوريا من أفضل السوريين عن طريق تهجيرهم ومصادرة أملاكهم ومصانعهم في خدمة نظام جعل من إفقار الشعب هدفا بحد ذاته. كانت كلّ الحروب التي خاضها النظام هزائم، لكنه أحسن استخدامها لتقوية وضعه.

هل من هزيمة أكبر من هزيمة حرب 1967 التي مهّدت لوصول حافظ الأسد إلى قمّة الهرم في السلطة، علما أنّه كان وزيرا للدفاع في أثناء تلك الحرب؟ خسرت سوريا مرتفعات الجولان التي لا تزال محتلّة إلى اليوم. لم يسع النظام يوما إلى استعادة الجولان، بل خاض حرب 1973 من أجل الوصول إلى اتفاق لفصل القوّات في الجولان وطيّ صفحة استرجاع الأرض المحتلة. لولا الولايات المتحدة التي أوقفت حرب 1973، لكانت إسرائيل وصلت إلى دمشق. على الرغم من ذلك، تحدّث النظام السوري عن انتصارات كانت في الواقع تمهيدا لاحتلال لبنان لسنوات طويلة وتوريط الفلسطينيين في حروب داخلية جعلت قضيّتهم في مهبّ الريح.

كان النظام السوري عبقريا بالفعل، خصوصا بعدما أدرك أن لا مانع لدى إسرائيل في دخوله لبنان وسعيه إلى السيطرة عليه وترك الجنوب “ساحة” لتبادل الرسائل. كان إبقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي بمثابة ضمانة للنظام السوري الذي عرف تماما أن الانتصار على لبنان صار بديلا من الانتصار على إسرائيل.. وأن التغاضي عن الجولان بمثابة بوليصة تأمين له.

خسر النظام السوري كلّ المواجهات العسكرية مع إسرائيل، بما في ذلك مواجهة حرب صيف العام 1982 في لبنان. كانت هزيمته في 1982 تمهيدا للعودة إلى بيروت ثم لوضع اليد على البلد كلّه بفضل بطولات النائب المسيحي ميشال عون، قائد الجيش السابق، الذي هيأ كل الأجواء المطلوبة من أجل دخول القوات السورية القصر الجمهوري في بعبدا ووزارة الدفاع القريبة منه في العام 1990.

كان الثامن من آذار ـ مارس السوري الكارثة الكبرى على السوريين وكان الثامن من آذار ـ مارس اللبناني يوم شؤم على اللبنانيين. استفاد “حزب الله” من تجربة البعث السوري. حوّل الهزائم غلى انتصارات له. كانت انتصاراته ولا تزال انتصارات على لبنان واللبنانيين.

أفقر البعث سوريا ودمّر النسيج الاجتماعي فيها من أجل الإمساك بالبلد والمحافظة على النظام. يعمل “حزب الله” بالطريقة ذاتها. ألحق هزيمة منكرة بلبنان في حرب صيف العام 2006 التي خاضها مع إسرائيل. كان في لبنان مليون سائح في ذلك الصيف فأصبح فيه مليون مهجّر. لم يمتلك الحزب، حتّى، حدّا أنى من الوفاء للعرب الشرفاء الذين ساعدوا لبنان في إعادة بناء ما دمّرته إسرائيل. كان على رأس هؤلاء المملكة العربية السعودية التي بذلت كل جهد من أجل تمكين لبنان من تجاوز المحنة واستعادة بعض من عافيته.

على الرغم من كلّ ما لحق بلبنان، رفع “حزب الله” علامات النصر. إذا كان انتصاره في حرب صيف 2006، التي كلّفت لبنان آلاف الضحايا ودمارا هائلا، انتصارا، فما هو مفهومه للهزيمة. هل يكفي أن ينتصر “حزب الله” على لبنان، كي ترضى عنه إيران؟ هل يكفي أن ينتصر النظام السوري على السوريين ويهجّرهم بمئات الآلاف وأن يدمّر القرى والبلدات والمدن بصواريخه وبراميله المتفجّرة، مستعينا بالروسي والإيراني والميليشيات المذهبية، كي تجدّد له إسرائيل بوليصة التأمين التي يبحث عنها؟

لكلّ من لبنان وسوريا الثامن من آذار ـ مارس الخاص به وكأن تجربة “حزب الله” اللبنانية امتداد لتجربة البعث في سوريا.

ما يجمع بين ما يشهده لبنان وتشهده سوريا فلسفة واحدة مبنية أوّلا وأخيرا على عبقرية بعثية تقوم على اختراع أحلام يقظة تحوّل الهزائم إلى انتصارات وهمية لا تصبّ في نهاية المطاف سوى في القضاء على البلدين. “سوريا الأسد” التي عرفناها انتهت. هل يصمد لبنان؟

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

هل هي نهاية «الجماعات» في الحكم؟

GMT 10:45 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

عيون وآذان (السعودية ووضع اقتصادي ممتاز)

GMT 10:41 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

هل يبقى لبنان مقاوما لـ"المقاومة"

GMT 08:33 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مع سلام الراسي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما يجمع بين البعث وحزب الله ما يجمع بين البعث وحزب الله



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 16:02 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

ثرثرة منتصف الليل

GMT 03:17 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عزيز العامري يقاطع الندوة الصحافية عقب الخسارة أمام "الوداد"

GMT 23:41 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

برشلونة يبدأ في البحث عن مدير فني جديد بديلا لإنريكي

GMT 01:09 2015 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

بنعطية احتياطيًا ضمن التشكيلة النموذجية لإفريقيا في 2015

GMT 09:58 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

غيستاف يفوز بالدورة التاسعة للحاق الدولي للصحراء

GMT 18:02 2022 الإثنين ,31 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يتوصل إلى اتفاق للتعاقد مع مبابي

GMT 11:19 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مباراة لاتسيو ضد روما أول ديربي في "الكالتيشيو"بدون جماهير
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib