خطابات بنكيران مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها

خطابات بنكيران مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها

المغرب الرياضي  -

خطابات بنكيران مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها

محمد الساسي


مازالت خطابات بنكيران تثير الكثير من ردود الفعل وتشد إليها الأنظار وتستقطب الاهتمام وتتسبب في سيول من التعاليق والنقاشات. إنها خطابات تتكثف في مرحلة وتقل وتندر في مرحلة أخرى، ففي زمن ما لا نسمع إلا صوت الرجل مدوياً، يتردد صداه في كل الأوساط، وفي زمن آخر يعيد سيف الكلام إلى غمده. وهي خطابات تجمع بين الجد والهزل وبين الهجوم والدفاع وبين التفصيل الدقيق والإشارات الغامضة وبين لغة التقوى ولغة التغزل وبين استعمال ضمير المتكلم المفرد واستعمال ضمير المتكلم الجمع وبين الحديث من موقع رئيس حكومة والحديث من موقع قائد سياسي متحرر من أية مسؤولية رسمية.

ويجب الاعتراف، عموما، بأن خطابات الرجل مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها، ويوجه، من خلالها، ضربات سديدة ويسجل بواسطتها إصابات كثيرة. وتستمد خطابات الرجل قوتها، في نظرنا، من العناصر الآتية :

تمتع الرجل بقدرة مذهلة على حسن استغلال نقاط ضعف خصومه، فهو يذكرنا باستمرار، حتى لا ننسى، بأن جزءاً من هؤلاء الخصوم شارك في تجارب حكومية سابقة ولم يحقق المعجزات التي يطالب، اليوم، بتحقيقها، بل خلفت مشاركته سخط فئات شعبية واسعة عليه، وبأن جزءاً آخر رفعت حشود الشباب شعارات مطالبة برحيله في تظاهرات حركة 20 فبراير. يقدم الرجل نفسه كمنقذ حَلَّ بالبيت الحكومي لإنقاذ البيت المغربي ولإصلاح زلات وأخطاء الذين سبقوه والذين لم يستطع أحد منهم، قبله، أن ينتقل من موقع المعارض المغضوب عليه إلى موقع رئاسة الحكومة برصيد من المقاعد النيابية يفوق المائة.
ومن فرط شدة الهجومات التي وجهها بنكيران إلى معارضيه، وجد هؤلاء أن أحسن وسيلة لحماية أنفسهم هي الاستنجاد بالمحاكم، في مرحلة أولى، ثم الاستنجاد بالملك، في المرحلة الثانية؛

عدم تورط الرجل، إلى حد الساعة، في فضيحة كبرى تماثل الفضائح التي تورط فيها المسؤولون الحكوميون في المراحل السابقة. إنه يؤكد، صباح مساء، التزامه بعدم التستر على فساد أي من وزراء الحكومة التي يرأسها ويتحدى المعارضة، يومياً، أن تثبت تساهله مع ملفات فساد كبرى لها علاقة بأداء الحكوميين الحاليين، وخاصة بأداء حكوميي حزبه؛
تسابق خصومه على إدراج معارضتهم له، في سياق الدفاع عن النظام وحمايته. ومن المؤكد، هنا، أن بنكيران سيتغلب عليهم، إذ إنه، موضوعياً، يقدم إلى النظام، اليوم، الخدمة التي لم يُسْدِهَا إليه أي من هؤلاء، فالسقف الذي وضعوه لمعاركهم يجعلهم يقررون حشر أنفسهم، مسبقاً، في زمرة الخاسرين؛
ورود أقوال، على لسان بنكيران، لم يسبق لمسؤول حكومي آخر في المغرب أن فاه بها. رئيس حكومتنا، اليوم، يتحدث عن الملك وعن حزبه وأمه وأبنائه وتاريخه واتصالاته ومشاريعه وأفكاره بأسلوب مبسط ونافذ، فيه بعض التلميح أحياناً، وفيه تصريح بما يعانيه الشعب وعرض لمشاكله اليومية وصرامة والتزام بالحفاظ على الأمانات والوفاء بالوعود ونشدان الإصلاح حتى ولو أدى ذلك إلى فقدان الأصوات وفقدان رئاسة الحكومة. لقد وجد المغاربة أمامهم رئيس حكومة يقول إنه سيمضي في طريق بعض الإصلاحات المؤلمة وسيفعل ذلك من أجل المغرب، ولتذهب الشعبية إلى الجحيم !
الاستحضار المستمر لفرضية الاستقالة والانسحاب والمغادرة وقلب الطاولة والإشارة إلى أن البقاء في الموقع لا يهم. وبغض الطرف عن مدى جدية هذا الاستحضار، فإن الرجل يجني منه أجزل النفع وأوفره، وقد وصل به الأمر إلى حد استحضار الموت والظهور بمظهر المجاهد المستعد لبذل كل التضحيات وأداء أي ثمن. في خطاب (الدشيرة) أراد بنكيران أن يطمئن أعضاء حزبه إلى أن الصبر على ما يقوم به الخصوم من مناورات، والسعي ما أمكن إلى تفادي المواجهة القاتلة، لا يعنيان عدم الاستعداد لتحمل آثار مثل هذه المواجهة؛ فإذا اقتضى الأمر ذلك، يمكن الثورة على كل شيء وفضح كل شيء والذهاب بالمعركة إلى النهاية. والقول بأن المعركة “هي في سبيل الله” هو محاولة لإسباغ طابع ديني عليها، وهنا يراعي بنكيران ظروف الفضاء (الزمن والمكان والأشخاص والعلاقات)، فنحن في زمن اقتراب موعد الانتخابات (النبرة الهجومية) وفي حضرة المناضلين (ضرورة تقوية عزيمتهم)؛
قدرة الخطاب على أن يلم أعضاء الحزب حوله وأن يقنعهم ويحافظ على وحدتهم، في حزب حي وحاضر بقوة، ومرتبط بزعيمه، بينما معارضو بنكيران، في أغلبهم، لهم مشاكل جدية داخل أحزابهم وشرعيتهم التنظيمية مطعون فيها وقدرتهم، على التعبئة النضالية للجماهير، محدودة.
ومع ذلك، فإن لخطابات بنكيران، أيضاً، عناصر ضعف تجلب له الكثير من المتاعب وتجر عليه وابلاً من الانتقادات والاحتجاجات التي لها ما يبررها، وتتمثل بعض هذه العناصر في ما يلي :

يمكن القول، بصورة عامة، إن لبنكيران مشكلة دائمة، فهو، ربما، لا يستطيع أن يقول كل شيء فيضطر إلى التلميح، وينتهي بالوقوع في صيغ مرتبكة ليس لها أي معنى فتصبح اللعبة عبثية ويلجأ، في ما بعد، إلى “التصحيح”.
إذا كان من السهل علينا التوصل إلى استنتاج مفاده أن بنكيران يعني بالتماسيح والعفاريت مراكز النفوذ، داخل جهاز الدولة، التي تقاوم الإصلاح وتناهض الرجل وتسعى إلى فرملة طموحه وتعويق حركته، فإن ربطه بين موت باها واستعداده للموت في سبيل الله، يبدو غريباً ويجعلنا، منطقياً، نعتبر أنه يشكك في سيناريو الوفاة الذي تَمَّ إعلانه، رسمياً، فهل مات باها في سبيل الله أم إن بنكيران يلقي الكلام على عواهنه؟ هل يقدر رئيس الحكومة عواقب هذا التصريح؟ وهل توفرت له عناصر جديدة في القضية أم إنه يستغل موتاً تراجيدياً لاستدرار عطف الناس على تجربة التناوب الثاني والحزب الذي يقودها ولمحاولة صرف الأنظار عن عيوب هذه التجربة بالتركيز على خطورة أوجه استهداف رموزها؟

أما التلميح إلى التهديد المفترض الذي يطال بنكيران، نفسه، بدون ذكر مصدره وملابساته، فهو أمر في غاية الخطورة، عندما يصدر عن رئيس حكومة، ينم عن عدم تقدير جسيم للمسؤولية، إذ من حق المعارضين أن يعتبروه محاولة للإساءة إلى صورتهم أمام الرأي العام، مادامت العلاقة بينهم وبين هذا التهديد يمكن أن تُفترض، تلقائياً، بحكم  حدة صراعهم مع الرجل؛

لغة القفشات والمرح والمزاح والهزل، التي يعتمدها بنكيران، كثيراً، في خطابه، أصبحت اليوم تطرح مشكلة حقيقية متعلقة بتحديد ضوابط القول الذي يحترم المستمع و يحترم المرأة، و أصبحت تتجاوز تلك الضوابط، أحيانا. هناك عبارات، مثلا،عندما ننطق بها، مجردة لوحدها، يكون لها إيحاء جنسي، في هذه الحالة نكون أمام فراغ يملؤه المتلقي، أياً كان، تلقائيًا، بدلالة جنسية. وما دام المتكلم ترك هذا الفراغ ولم يدقق المقصود بقوله، حين النطق به، فإن هذه الدلالة تفرض نفسها؛
اتهام بنكيران، وهو رئيس الحكومة، لخصومه بالتورط في ملفات فساد كبرى، بدون أن يكشف عن نيته فتح مساطر ومتابعات أو بدون الإفصاح عن الأسباب الحقيقية التي تحول دون فتحها، يمثل، موضوعياً، تزكية لظاهرة الإفلات من العقاب؛
خطابات بنكيران مليئة بالتناقضات، وأبرز وجه لذلك هو أن الرجل يبدو، من خلال تلك الخطابات، أحيانا، كرجل يحكم وكآمرناهٍ وكصاحب قرارات حاسمة واستراتيجية في مسار التدبير العام، ويبدو، أحياناً أخرى، كرجل لا يحكم ولكنه يكتفي ببذل العون لمن بيده مقاليد الحكم؛
الغائب الأكبر، في خطابات بنكيران، هو أشكال التعبير عن الاطمئنان إلى مستقبله، لا يستطيع الرجل أن يتحدث، بثقة، عن المستقبل، ولا يعرف ما إذا كانت المكاسب التي حصل عليها حزبه نهائية ولا يدري كيف سيكون مآل التجربة.
الصعوبات والمخاطر تحف به من كل جانب وليست لديه ثقة في طبيعة المصير الذي ينتظر المسلسل السياسي الجاري حالياً. هناك أشياء تقع لا يرضى عنها، ربما، ولكنه لا يستطيع إظهار عدم رضاه، وكلما اتسع مجال هذه الأشياء فإن وضعه كرئيس للحكومة يغدو أصعب من الماضي، ولا يعرف كيف سيتصرف خصومه، غداً، وما هي طبيعة السيناريوهات التي قد يلجؤون إليها لمواجهته، وهل سيصل الأمر إلى حد تجريده من المكاسب التي حصل عليها.

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطابات بنكيران مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها خطابات بنكيران مُفْحِمَةٌ وقوية وتحقق الكثير من أهدافها



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib