رحيل بوستة ووفاة الحركة الوطنية

رحيل بوستة ووفاة الحركة الوطنية

المغرب الرياضي  -

رحيل بوستة ووفاة الحركة الوطنية

بقلم : حسن طارق

ودّع الشعب المغربي، يوم أمس، أحد أعمدة الحركة الوطنية والديمقراطية، الأستاذ المجاهد امحمد بوستة، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، بعد حياة مليئة بالعطاء والالتزام، راكم خلالها صورا متعددة لرجل الدولة وللمناضل الصلب، للدبلوماسي الأنيق وللسياسي الذي لا يخشى في الصدح بالحق لومة لائم، للخطيب المراكشي اللاذع، وللحكيم الذي تُقاس كلماته النفيسة بميزان الذهب .

امحمد بوستة، المحامي الذي خَبِر كل محطات الحياة السياسية لبلادنا، في لحظة النضال الوطني، تم في منعرجات البناء الديمقراطي، متحملا في شبابه مسؤوليات حكومية في بدايات المغرب المستقل، مساهما في تدبير السياسة الخارجية في أوج معارك القضية الوطنية، حقوقيا ملتزما بالترافع في المحاكمات الكبرى لسنوات الرصاص، قائدا فذا لحزب الاستقلال بعد وفاة الزعيم علال، مطلقا لدينامية الإصلاحات المؤسساتية رفقة عبدالرحيم بوعبيد في بداية التسعينيات، زاهدا في مقعد الوزير الأول لحكومة يحتفظ فيها البصري بحقيبة الداخلية في زمن البحث عن التناوب، مفاوضا حكيما في تدبير ملف حارق ومثير للتقاطبات مثل ملف مدونة الأسرة.

رحيل السي امحمد بوستة، هو كذلك من الناحية الرمزية نهاية لمرحلة تاريخية ظلت مطبوعة بالحضور السياسي الوازن لرجالات الحركة الوطنية، الذين فرضت الأقدار وقوانين الطبيعة – منذ قرابة العقدين – خروجهم التدريجي من المشهد العام .

حضور ظل يتجاوز حدود استمرار الوجوه والأشخاص، ليصل إلى عمق الأثر البين في الثقافة السياسية، وفي نمط من ردود الفعل المتقاربة التي تخترق عائلات سياسية مختلفة، والتي نجحت في تسييد تمثل معين للمؤسسات ونظرة خاصة للقضايا الوطنية لمحطات التاريخ الراهن والقريب .

الحركة الوطنية هنا، ليست مجرد امتدادات تنظيمية أسهمت في معركة الاستقلال، بل هي بالمعنى الواسع الذي يجعلها “خميرة” السياسة المغربية الحديثة، ومرجعية من القيم والمثل المستلهمة من مصادر فكرية سلفية وتنويرية التي أعادت هيكلة المخيال المغربي الشعبي حول تعريف جديد للهوية هو الانتماء “الوطني”، وتيارا ثقافيا ومجتمعيا مدينيا مؤمنا بالتقدم، ملتفا حول المؤسسات، حاملا لنفسٍ تحديثي وإصلاحي في ارتباط بفكرة التوافق .

هذه الحركة الوطنية، هي التي شكلت واحدا من المصادر الكبرى للإيديولوجيا المغربية المعاصرة، والتي ظلت لوقت طويل تؤثر في تمثلات وسلوكيات وقيم النخب والمجتمع، رغم الحديث المتكرر – منذ الستينيات- عن موت الحركة الوطنية، ورغم فورة الإيديولوجيا اليسارية منذ السبعينيات، ورغم محاولة الدولة بناء مرجعية قيمية جديدة بنفسٍ إداري/سلطوي، يحمل تصورها للتراتبية المجتمعية.

في إحدى دراسات الراحل محمد عابد الجابري، حول المغرب المعاصر، كان قد خلص إلى أن الانتقال من الحقل السياسي التقليدي إلى الحقل السياسي الحديث، حيث السيادة للمؤسسات وحكم القانون، يرتبط بالاختفاء التدريجي لأجيال الحركة الوطنية، لأن ذلك سيعني نهاية مجموعة من تقاليد التفاعل السياسي بين المجتمع والدولة، التي يطغى عليها بعدُ الشخصنة والتقليدانية، والتي ظل تاريخ الانتماء المشترك إلى الحركة الوطنية يغذي اللجوء إليها.

لكن الواقع أن هذا الانتقال لا يزال بعيد المنال، في المقابل، فإن اختفاء ثقافة الحركة الوطنية، لم يترك المجال سوى لممارسة سياسية متخبطة بلا معالم ومرجعيات، ولخطابات شعبوية بئيسة.

أما على المستوى الإيديولوجي، ومع الوفاة المعلنة للمشروع الفكري اليساري، وهجانة “مشاريع” السلطة المتمحورة حول فكرة غامضة هي “تمغربيت”، وانحصار المشروع الإسلامي في خانة الدفاع عن الهوية، فإن غياب قيم الحركة الوطنية المحرضة على مغامرة التقدم انطلاقا من قراءة تنويرية للدين، يعني أننا نعيش، كذلك، أزمة إيديولوجيا، من حيث هي أزمة في رسم معالم مستقبل أفضل للمجموعة الوطنية .

المصدر : جريدة اليوم 24

GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل بوستة ووفاة الحركة الوطنية رحيل بوستة ووفاة الحركة الوطنية



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  -

GMT 01:21 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أرخص 10 وجهات أوروبية لقضاء عطلة الصيف
المغرب الرياضي  - أخطاء تقعين فيها عند ترتيب مطبخكِ عليكِ تجنّبها
المغرب الرياضي  - رفض دعاوى

GMT 11:17 2012 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يؤكد عدم تخليه عن حمدي في محنته خلال حفل الرواد

GMT 22:56 2017 الإثنين ,28 آب / أغسطس

البزغودي لاعب الجيش يخضع لفحوصات طبية

GMT 15:33 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أولاس يشيد بفريقه قبل مواجهة شاختار دونيتسك الأوكراني

GMT 10:19 2022 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

وليد الركراكي يرُد على منتقديه بسبب عبد الرزاق حمدالله

GMT 05:44 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد النني يُهدي الشيخ مشاري راشد العفاسي قميص أرسنال

GMT 22:45 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبات غولف «أرامكو» في مواجهة الإعلام بجدة

GMT 08:27 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يتحدى مانشستر سيتي اليوم في الدوري الإنكليزي

GMT 21:10 2022 الأحد ,22 أيار / مايو

كريم بنزيمة يثير الجدل بعد قرار مبابي

GMT 11:34 2022 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

مفاوضات في تجديد عقد ساديو ماني مع ليفربول

GMT 19:32 2022 الإثنين ,07 شباط / فبراير

مغربيان في التشكلية المثالية لكأس أمم إفريقيا

GMT 13:33 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"المنتخب المغربي" يخضع إلى فحوصات كوفيد-19
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib