ثورات تطلع من خزانات السرية

ثورات تطلع من خزانات السرية ؟

المغرب الرياضي  -

ثورات تطلع من خزانات السرية

بقلم عبد الحميد الجماهري

ربطت تحاليل كثيرة بين نشر وثائق باناما، والتي اشتهرت الآن ب11 مليون وثيقة من وثائق التهرب الضريبي، تحت مسمى «باناما بايبرز »… وبين إِعْداد الثورات، في تكرار مشهدي لما حدث منذ خمس سنوات، بين ثورات الربيع العربي وبين وثائق ويكيليكس.
واتخذ هذا الربط شحنة التهديد ، واستشعار كوارث ستضرب الشعوب والبلدان إِنْ صدقها الناس!
لا أحد صاح ليكن!
ولْتنتفضِ الشعوب إذا كانت ثرواتها تهرب من بلدان فقيرة إلى بلدان غنية أو .. إلى بلدان تحولت إلى جزر للمضاربة وعالم بلا خارطة معروفة، مثل الجنة.
كما لو أن القضية ، لا تتعلق بتفاعلات كبيرة وقوية في مجتمعات تراكمت فيها كل أسباب القتال الداخلي، بل مجرد إعادة كتابة سيناريو فيلم» خياط باناما« الذي يحكي قصة الجاسوس »آندي أوسنار« ( بطولة بييرس بوسنان الشهير بأدوار جيمس بوند) مع الخياط هاري بيندل، الذي فرض عليه التعامل معه بعد أن كشف نقطة ضعفه.
الخياط مزيف، لكنه قادر على إشعال النار في قناة باناما، بفعل عناصر عديدة منها الكذب، ووجود نظام سياسي مبنى على البارانويا.
وهكذا يختلق »معارضة صامتة« تعمل في الظل ، ووجود ثوار ينتظرون ساعتهم، وتنطلق الكذبة وتتخذ أبعادها الدولية، عندما يرسل الجاسوس معلوماته إلى »لندن« التي تحولها إلى المخابرات المركزية الأمريكية »(لاسيا«) فتبدأ قصة التدخل العسكري ..!
ويبدو أن السيناريو يكاد يكون مشابها، والفرق الوحيد هو أن الأموال لا تذهب إلى خزائن الجاسوس ومن يساعده من السياسيين المرتشين، بل تنتقل من الدول إلى أبناك خلفية في حديقة الرأسمالية ..
وتزيد المؤامرة تماسكا، عندما تربط التحليلات بين ما وقع وبين التخطيط المركزي الأمريكي.
وتنسى أن البداية كانت في عقر الدار التي يخشاها المرتعدون أي أمريكا نفسها.
كانت البداية مع ويكيليكس في 2006 ، عندما نشر موقع الاسترالي »جوليان أسانج« ومن معه أزيد من 470 ألف وثيقة تخص الولايات المتحدة وأسرار جيشها وحربه في العراق،قبل أن تكون أمريكا ، مرة أخرى، موضوع 250 ألف وثيقة ورسائل تخص الدبلوماسية العالمية، وبالضبط عبر مراسلات الدبلوماسيات الأمريكية..
العاصفة الثانية ، كما كتبت الصحافة ،أطلق شرارتها »ادوارد سنودن«، الذي كان يشتغل مستشارا عند وكالة الأمن القومي الأمريكية ، والذي كشف للعالم وثائق تتعلق بمراقبتها لكل العالم ولكل قياداته و ملوكه ورؤسائه وكبار المسؤولين في الشركات العملاقة ... الخ.
وعليه فإن الوثائق ذات الصبغة المالية التي نشرتها الجمعية الدولية للصحافيين الاستطلاعيين أو المحققين، هي ثالث عاصفة تعرفها الكرة الأرضية منذ 2006.
ولعل نخبة بلدان شرق المتوسط هي الوحيدة التي ترى في ما تم الكشف عنه .. مؤامرة لهز الأركان في الدول التي كانت موضوع تحقيقات .
ولعلها أول مؤامرة في التاريخ تتم علانية وفي الهواء الطلق، سواء بعد ويكيليكس أو.. بعد »باناما بايبرز«..
والسؤال هو في العمق سؤال مفارق للغاية ،لماذا تكون أسرار غير شرعية مثل التهرب الضريبي طريقا .. إلى الثورة؟…ومتى لم تكن الأسرار غير النظيفة مثل الثروات المهربة إلى الخارج مثلا سببا في الثورات منذ ثار الإنسان؟
هناك شيء ما غير سليم في التحليل وربط النشر الواسع والمكثف بتمردات الشعوب، إذ كيف يعقل بأن تكون هناك منطقة رمادية بين الفقر والثروة وين التهرب الضريبي والثورة، لا تملؤها الشعوب بالشك، وبالتساؤل وبالبحث عن وضوح.
هل يعقل أن يسربوا الشك إلى نفوس الناس ، كما تتسرب الوثائق لأن شخصا مثل القذافي أو بنعلي أو مبارك نهبوا ثروات بلادهم وكان إسقاطهم مجرد مؤامرة وليس ضرورة لكي تتنفس الشعوب قليلا من الهواء ولو كان مشوبا بالبارود ؟.
ثم ما ذنب المؤامرة إذا كان الحكام الذين تم إسقاطهم قد وضعوا أموالهم بعيدا عن أعين شعوبهم ثم باعتهم العواصم التي خبؤوا فيها ما خبؤوه؟
ثم -وهذا هو المهم- لماذا لا ترد العواصم المرتجفة، وتدافع عن نفسها وتفشل المؤامرة أصلا، وتعيش في شرعية شعوبها وشرعية القوانين معا؟..
هناك فرق تعيه الشعوب ويعيه المنطق بين إخفاء الحقيقة وبين التكتم البنكي الذي يطالب به الجميع في حالات بعينها، وهو بمثابة الحق تمارسه الابناك وتمارسه الشخصيات المستفيده منه..
والشعوب تعي الفرق بين من يسرقها ويقمعها وبين من يختار الوضوح معها، وهي تقدر بميازين مختلفة كل حالة من الحالات، بدون أن يكون الحق في التكتم البنكي دليلا على … خطأ الربيع العربي! 
الموضوع موضوع يدركه المحامون، وأهل البنوك ويمكن للشعوب أن تعرفه وهو يبعد كل بعد عن منطق من يبحث عن سبب واهٍ للثورة ومن يبحث عن سببب واهٍ للمؤامرة!
لا يمكن أن تصبح خيالات التأويل واقعية، وصحيحة - أي ربط التمرد بالمؤامرة- في حين يصير الواقع الذي لا يعلى عليه- حقيقة التحكم في أقدار الناس واستعبادهم- مجرد ذريعة، لا تعني شيئا!!

عندما تنتهي المؤامرة ، ستعود الشعوب إلى طبيعتها وستبدع لنفسها مؤامرة أخرى لتحريض التاريخ، لأنها ببساطة لا يمكنها أن تعيش بلا تمرد عندما تضعها الأنظمة في خزاناتها أو زنازنها..لهذا لا تستغربوا إذا طلعت الثورات من …الخزانات الحديدية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورات تطلع من خزانات السرية ثورات تطلع من خزانات السرية



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib