بقلم - أسامة الرنتيسي
لا يتحمل المطرب السوري المعروف المريض والهرم (عافاه الله) جورج وسوف المسؤولية الأدبية عن رده غاضبا على الجمهور الأردني “دي قلة أدب ولن أكمل الحفل” بعد المشادات والمشاجرات التي قام بها الجمهور في حفلة الأرينا السبت، كما لا يتحمل الفوضى العارمة التي رافقت الحفل.
من يتحمل المسؤولية، هي الجهات التي وجهت الدعوة لفنان من وزن وسوف عندما كان سلطان الطرب وهو بصحته وعافيته، الان وبعد وعكات صحية، اصبح لا يتحكم لا بصوته ولا بوقفته على المسرح، ولا بالالفاظ التي تصدر منه.
يتحملها عائلته وأبناؤه الذين يتاجرون بتاريخ أبيهم مقابل دراهم معدودات… وللدقة ليست دراهم معدودات، بل مئات الآلاف من الدولارات عن الحفلة الواحدة.
تمنيت قبل عدة أشهر على إدارة مهرجان الفحيص أن تغض النظر عن دعوة وسوف إلى المهرجان، ليس كرها به ولا بصوته، مع أن صوته مؤخرا لا يختلف عن صوت الجاروشة، لكن احتراما لتاريخه ووضعه الصحي، لكن كانت الأمنية متأخرة، والإدارة وقعت عقدا معه.
فاجعة كبرى أن تصل التجارة إلى شيخوخة الكبار، حيث يتم إصعادهم من دون وعي كامل، وفي غياب لياقتهم الذهنية على خشبة المسرح وأمام عدسات التلفزة في حالة يُرثى لها، تَشطب من ذاكرة المشاهدين صور هؤلاء الكبار الجميلة كلها.
الفنّان المحبوب وسوف تعرض لعارض صحي قبل سنوات أدى إلى إصابته بنصف شلل في يده اليسار وضعف في قدمه، ما يدفعه إلى الاعتماد على العكّازة في مشيه، وإذا صعد على المسرح يبقى جالسًا طوال الوقت.
ليس وسوف وحده يتاجر به، ففي مشهد صاعق جدًا لفنان كبير من وزن صباح فخري يجلس على كرسي في حالة صحية صعبة، مترهل، شارد الذهن، بالكاد يصدح صوته، يحاول أن يعيد حركات الزمن الجميل والرقص على المسرح على أنغام المواويل الحلبية وعذابة صوت لم يتكرر حتى الآن، لكن هيهات فقد فعل العمر والهرم به ما فعل.
مشهد الكبير صباح فخري محزن إلى درجة أن نظرات الشفقة من عيون الحضور والآلام تعصرهم على الحال التي وصل إليها الفنان الكبير.
المأساة الكبرى أن نجل الفنان أنس هو الذي يُتاجر بشيخوخة والده ليتَكسَّب من ظهوره على خشبة المسرح ومقابلات التلفزة.
بالتأكيد ليست أوضاع الفنّانَيْن الكبيرين صباح فخري وجورج وسُّوف المالية هي التي تضغط عليهما لصعود خشبات المسارح والظهور أمام شاشات التلفزة، فقد قدَّما في مسيرة حياتهما أجمل الأغاني والحفلات وليالي الفرح، بل الذي يضغط عليهما بشاعة مَن يستغلّونهما حتى الرّمق الأخير، مِن دون التدقيق في تهشيم صورتهما الجميلة التي رسخت في أذهان الناس عبر مسيرة طويلة من الإبداع والعطاء والتألّق.
لنحترم شيخوخة ومرض الكبار، وبئست التجارة إن كانت على حساب تاريخ العُظماء.