بقلم - أسامة الرنتيسي
هكذا نحن دائما، لا تتفتق العبقرية الرسمية لدينا إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تكون الطيور قد طارت بأرزاقها.
قراران؛ إيجابيان اتخذتهما الحكومة الاثنين، لطالما طالب بهما كتاب ونواب ومعلقون، ليس من هذه الحكومة فقط، بل من الحكومات السابقة، لكن للأسف أذن من طين وأذن من عجين، واستيقظت الحكومة متأخرة بعد أن خربت مالطا.
منذ سنوات والملحوظات والشكاوى لا تتوقف من الضغوطات والإجراءات العقيمة التي تضعها البيروقراطية الأردنية وسلوك الإدارة العامة في طرد الاستثمار والمستثمرين، لم تقف الشكاوى فقط للإعلام، حتى رأس الدولة اشار في أكثر من مناسبة الى المعوقات التي توضع أمام المستثمرين، حتى ضجوا من أوضاعنا، ومن طرق استغلالهم ومشاركتهم في أموالهم، فهربوا الى الدول المجاورة، وأرقام الأعداد المهاجرة من أصحاب رؤوس أموال كبيرة مرعبة، حيث خسرت البلد مئات الملايين من الدنانير.
العبقرية الحكومية التي صحت متأخرة عقّدت الشروط وضخمتها، ولنكن أكثر تواضعا، فالمستثمر الذي يضع مليوني دولار في البنك لخمس سنوات بإمكانه الحصول على الجنسية الأميركية او الكندية بنصف هذا المبلغ، وبربع مليون دولار يحصل على الجنسية الأسترالية، و200 ألف دولار يحصل على الجنسية والإقامة في تركيا، فلما هذا التعقيد، ونحن بحاجة فعلا الى جذب الاستثمار وتحسين البيئة الاستثمارية في بلدنا.
أما القرار الثاني، وهو السماح لمرضى الجنسيات المقيدة من دخول البلاد للعلاج، فقد تأخر أكثر وأكثر، وجاء بعد أن أفلست مستشفيات، وتعثرت اخرى في الالتزام برواتب موظفيها، وتراجعت الخدمة الطبية بعد أن كنا نتباهى بها أمام معظم الدول الأخرى.
لقد كانت مستشفياتنا تعج بالمرضى العرب، وبجرحى الدول التي تشهد نزاعات، وانتعشت هذه المستشفيات بطريقة فتحت شهوتها للأسف لممارسة الاستغلال البشع، ومع هذا كان المرضى في ممرات المستشفيات ينتظرون بالساعات.
طبعا؛ قضية الجنسيات المقيدة والتوسع بها، لم يدمر فقط المستشفيات الخاصة، بل دمر التعليم العالي، وأوصل جامعات خاصة الى درجة التفكير بالإغلاق.
لقد كانت جامعاتنا الخاصة الملاذ الآمن للطلبة العرب، ولكن بعد إجراءات عديدة طاردة تسببت بانخفاض أعداد الطلبة بشكل لافت للنظر ما شكل خطرا على مستقبل استمرار هذه الجامعات في رسالتها التعليمية.
نتأخر دائما في استغلال اللحظة، ولنا تجربة في المدينة الإعلامية التي فكرنا بها أول العرب، لكنها خطفت منا بعد أن وضعت التعقيدات الإدارية والأمنية في وجهها، ونفذت في دول أخرى.
دائما نأتي متأخرين، وحالنا ينطبق بالضبط مع ما يقوله الفحيصيون في أمثالهم المشهورة “دَبَّها ابو الحصين وعَشَّرَت”، وإذا صعب تفسير المثل على وزراء الاستثمار والتخطيط والمالية، يستعان بنائب رئيس الوزراء الدكتور ممدوح العبادي.