السلفية بين أحضان الوطن  السلفية بين تطرفين

السلفية بين أحضان الوطن .. السلفية بين تطرفين

المغرب الرياضي  -

السلفية بين أحضان الوطن  السلفية بين تطرفين

عبد العالي حامي الدين

بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، وعلى إثر التفجيرات الإرهابية الأليمة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء ليلة 16 ماي 2003، ومنذ ذلك التاريخ ألقي القبض على عدد كبير من المحسوبين على التيار السلفي بالمغرب، ولازال حوالي 600 منهم رهن الاعتقال.وقد أثارت ظروف محاكماتهم واعتقالهم انتباه العديد من التقارير الحقوقية والدولية ولازالت العديد من الملاحظات تثار إلى اليوم.. العارفون بالخريطة الفكرية للتيارات السلفية والتمايزات القائمة بينها، يدركون جيدا أن قلة منهم صرحت ولازالت متشبتة بمواقفها بأنها تؤمن بالعنف ضد الدولة ومؤسساتها، وهناك فئة أخرى أقدمت على مراجعات داخل السجن وقامت بتدقيق العديد من مواقفها التي تهم الدولة والمجتمع، وهناك فئة ثالثة ذهبت ضحية الصدمة التي أصابت المجتمع والدولة، واعتقلت بطريقة عشوائية. المشكلة التي تطرح بالنسبة للتيار السلفي عموما، ليست مرتبطة بمعالجة مخلفات 16 ماي وما بعدها، ولكن هناك مشكلة أكبر ترتبط بالحاجة إلى إدماج الحالة السلفية بتعبيراتها المختلفة في الحياة العامة، وتجاوز النظرة النمطية التي يروج لها البعض ويصنفها كمجموعات "غريبة" غير قابلة للاحتضان داخل فضاء للعيش المشترك..ونزع فتيل التوتر مع هذا التيار وفق رؤية استباقية.. وفي هذا السياق تبلورت مبادرة إنسانية من طرف ثلاث جمعيات حقوقية "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان" و" جمعية الوسيط من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان" و"منظمة عدالة من أجل محاكمة عادلة" بالإضافة إلى فاعلين من مشارب سياسية مختلفة بهدف العمل على خلق فهم مشترك لمختلف الإشكاليات العالقة ذات الصلة بالحالة السلفية، في أفق تقليص التوترات والتقاطبات الفكرية الحادة داخل المجتمع، والتحفيز على الإدماج الإيجابي لها في الحياة العامة. أصحاب هذه المبادرة يرون بأن الهدف الرئيس لها يتمحور حول رسم خارطة الطريق بشأن محاولة إيجاد تسوية شاملة ومتعددة المستويات ومتوافق عليها بخصوص السلفيين المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، وهي خارطة الطريق التي ينبغي أن تكون تتويجا لمسار تشاوري بين مختلف الفاعلين المعنيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتدبير هذا الملف، على مستوى الدولة من وزارات ومؤسسات وطنية ذات صلة بالملف، وعلى مستوى الفاعلين بالأحزاب السياسية، والهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان والحكامة السياسية، وكذلك على مستوى التيار السلفي، من سلفيين شيوخ وتعبيرات وممثلي المعتقلين ضمن هذا التيار. وتعتبر المبادرة أن عملها ينبغي أن يكون على مستويات أربع: ـ العمل على التأسيس لسياسة تصالحية لتصحيح الوضع المتوتر بين الأطراف ذات الصلة بهذا بالملف؛ ـ السعي لإطلاق سراح معتقلي السلفية ممن لم يتورطوا في العنف أو في جرائم دم؛ ـ تمتيع باقي المعتقلين، على مستوى وضعيتهم بالسجن، بالحقوق والواجبات كما هي متعارف عليها في القانون وفي المعايير الدولية ذات الصلة؛ ـ إعمال مبدأ التأهيل الاجتماعي والمصالحة، مع المعتقلين السلفيين المفرج عنهم.. وتوفير الدعم في اتجاه الاندماج في الحياة العامة. وإذ يشكل المستوى الإنساني أساس هذا المبادرة التي تندرج في منطق أشمل يهدف إلى إيجاد تسوية لمشكل المعتقلين السلفيين، فإن المسار التشاوري في حد ذاته يبقى أساسيا ومفيدا، لأنه يمكن الجميع من تبني وممارسة الحوار المتعدد والمتنوع المستويات عبر حالة محددة هي "الحالة السلفية. وفي هذا السياق عقدت لقاء تشاوريا بحضور الجمعيات الحقوقية ومؤسسات وطنية معنية بحقوق الإنسان ومعتقلين سابقين وعائلات معتقلين وبعض شيوخ السلفية، كما قامت بعقد لقاءات مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ووزارة العدل والحريات ورئاسة الحكومة.. هي مبادرة نابعة من حس وطني بالدرجة الأولى، وتقوم على الجانب الإنساني.. هاجسها الأساسي هو مستقبل الوطن.. وطن يتسع لكافة أبنائه ويتسامح معهم حين يخطئون.. بيد أن هناك العديد من الصعوبات التي تعترض مثل هذه المبادرات.. ملف السلفية بين تطرفين.. فمن جهة هناك التيارات المتطرفة داخل الجسم السلفي التي ليس لها أي استعداد للقيام بمراجعات عميقة لخلق مساحات مشتركة مع الآخر، وتعتبر بأن من وظيفتها إحياء "الفريضة الغائبة" والقيام بواجب الجهاد، ولذلك وجهتها المفضلة هي مناطق التوتر في العالم والاصطفاف إلى جانب "فسطاط الحق" ضد "فسطاط الباطل".. ومن جهة أخرى هناك التيارات المتشددة داخل الدولة التي لا تنظر إلى هذا الملف إلا من الزاوية الأمنية الضيقة، وترفض أي محاولة لفهم الأسباب العميقة لبروز الحالة السلفية، وترفض الاعتراف بأي خطأ يمكن أن يكون قد ارتكب في حق بعضهم.. إن التطرف الموجود في المجتمع يمكن أن يلتقي مع التطرف الموجود داخل الدولة وهو ما يهدد أي محاولة لنزع فتيل التوتر مع هذه الجماعات والسعي لإدماجها في الحياة العامة.. هذا الاختيار من الطرفين يدفع إلى تنامي الشعور بالمظلومية لدى العشرات من السجناء ضمن تيار "السلفية الجهادية"، في غياب أي مساعي مؤسساتية للحوار معهم، ويدفع العديدين منهم إلى الإصرار على عدم التعبير على أي مواقف معتدلة اعتقادا منه بأنه سيقدم تنازلات مجانية لفائدة "الدولة الظالمة".. كما يدفع مؤسسات الدولة من جهة أخرى إلى صم آذانها عن سماع أي صوت حقوقي ينبه إلى خطورة هذا الملف.. والمفارقة أن الأصوات المعتدلة داخل السجون تلتزم الصمت في الوقت الذي يسارع خطاب متطرف إلى الحديث باسم الجميع رافضا أي محاولة للحوار حول قضيته، ومتبنيا خطابا تصعيديا ضد الدولة، مطالبا إياها في نفس الوقت بحل مشكلته! وهو ما يساهم في دفع جهات متطرفة داخل الدولة إلى تعميم التوصيف الجاهز للخطاب السلفي، وتصنيفه ضمن الخطابات المتشددة التي تمثل تهديدا لاستقرار وأمن المجتمع. وهو ما يعني في النهاية أن الضحية الحقيقية من وراء هذا التقاطب هو عائلات المعتقلين وذويهم الذين يعانون يوميا أمام السجون، ويكابدون من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم في غياب أزواجهم أو أبنائهم المعتقلين، وفي غياب أي التفاتة من طرف الدولة ومؤسساتها لهذه الشريحة التي تؤدي ثمن وجود أقربائها في السجون.. ما لايدركه البعض أن التحولات الجارية في العالم العربي كشفت عن لاعب جديد في الساحة السياسية هو الفاعل السلفي بتعبيراته المختلفة.. غير أن التيار الأكثر إثارة للقلق هو تيار "السلفية الجهادية" الذي ينقسم بدوره إلى عدة تيارات، وهو ما يستدعي ضرورة الانتباه من أجل بلورة رؤية عميقة تحاول فهم الأسباب العميقة لبروز الحالة السلفية، وتعمل على تأطيرها ضمن مقاربة استباقية قابلة للاحتضان على المستوى الاجتماعي والسياسي.. التيار السلفي جزء من الحالة الإسلامية في العالم العربي، يمكن أن يمثل خطورة كبيرة إذا انزلقت بعض مفرداته إلى العنف كاختيار منهجي.. ومن هنا ضرورة فتح نقاش عميق مع هذه التيارات والإنصات إلى مواقفها الحقيقية من العنف ومن مستلزمات العيش المشترك داخل وطن يتسع لجميع أبنائه في ظل مناخ من الأمن والاستقرار ينبغي أن يحافظ عليه الجميع..

GMT 08:06 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

طوق النجاة لمباحثات الخرطوم

GMT 08:03 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

من قراءات الأسبوع

GMT 07:46 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 07:44 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

عيون وآذان (محمد بن زايد يعرف مصالح الإمارات)

GMT 07:42 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

قراءة نيابية في الموازنة قبل المجلس الدستوري

GMT 07:40 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإيماءات الدبلوماسية لن تحل المشكلة الإيرانية

GMT 07:38 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إرهاب إسرائيلي يؤيده ترامب)

GMT 07:36 2019 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلفية بين أحضان الوطن  السلفية بين تطرفين السلفية بين أحضان الوطن  السلفية بين تطرفين



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 09:27 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

7 آلاف تذكرة لجماهير أدوانا ستارز ضد الرجاء

GMT 19:01 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فريق "المغرب الفاسي" ينهي مبارياته الودية بانتصارين

GMT 00:24 2016 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

أولمبيك خريبكة يواجه الكوكب المراكشي وديًا السبت

GMT 03:47 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

جمهور الرجاء البيضاوي يرفض عودة محمد بودريقة

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 22:22 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير "يونايتد" تحيي ذكرى وفاة لاعبها جورج بست

GMT 23:41 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعقد جمعيته العمومية في 10 دقائق فقط

GMT 19:35 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شاهيناز تكشف تفاصيل ألبومها الجديد في "الليلة عندك" على 9090

GMT 22:11 2019 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

ترامب يلتقي مرشحا مسلما لخلافة ماي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib