القمة في آخر خيمة عربية موريتانيا

القمة في آخر خيمة عربية: موريتانيا!

المغرب الرياضي  -

القمة في آخر خيمة عربية موريتانيا

بقلم : طلال سلمان

بعد أيام سوف تستقبل نواكشوط، عاصمة جمهورية موريتانيا التي لا يعرفها إلا القلة القليلة من المسؤولين العرب، أول قمة عربية تحطّ رحالها فيها، بعد غياب أو تغييب عواصم القرار العربي، أو انشغالها بالحروب الأهلية أو حروب التغيير بالقوة للأنظمة «العاصية» أو «المرتدّة» فيها.

وموريتانيا ظلت مجهولة وخارج ذاكرة العرب حتى العام 1960، حين قامت فيها دولة شكلت نقطة وصل بين المغرب العربي والصحراء الأفريقية. على أن الرئيس الأول لهذه الجمهورية مختار ولد داده الذي انتخب في العام 1960 افترض أنه «الملك»، وهكذا مدّد ولايته حتى صارت 18 سنة متوالية، ولم يغادر منصبه إلا بعدما خلعه انقلاب تلاه انقلاب ثانٍ فثالث، حتى استتبّ الأمر للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.

المهم أن القمة العربية، التي باتت «ملكية» بعد تهاوي الجمهوريات التي كان لها شرف القيادة، ستحطّ رحالها أخيراً في نواكشوط (أو نياق الشوط)، بعد تجوال طويل في مختلف العواصم ذات التاريخ والمهددة الآن بالخروج من التاريخ، في ظل أجواء «ملكية» حاكمة، غالبيتها في المشرق (السـعودية، الأردن، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، سلطنة عمان)، بينما ينأى الخليفة ـ أمير المؤمنين بالمغرب عن الصراع، وإن ظلّ انحيازه واضحاً للملوك أبناء الملوك.

على هذا ستكون معظم الجمهوريات غائبة عن القرار حتى لو حضرت الجلسات: فمصر المثقلة بهمومها قد أخذتها أثقال هذه الهموم إلى العدو الإسرائيلي، لعلها تجد لها دوراً ولو هامشياً في الموضوع الفلسطيني. أما سوريا فتحت سيف «المقاطعة». وأما العراق فضيف ثقيل الحضور وغير مرحَّب به، وإن تمّ قبوله فعلى مضض. وأما السودان فقدوم رئيسه الممنوع من السفر دولياً سيشكل عبئاً ثقيلاً! وأما ليبيا فإن الصراع على الدولة، كما على النظام وطبيعته، ما زال فيها مفتوحاً.

على أن المناسبة ستوفر فرصة تاريخية لعرب المشرق كي يتعرفوا على أشقائهم في أقصى المغرب عند المحيط الأطلسي وعلى تخوم الصحراء الأفريقية، وهم يتحدرون بأكثريتهم الساحقة من «المور» الذين يحافظون على اللغة العربية (الفصحى، وإن اعتورها شيء من العامية).

هي «دولة عربية» أخرى من قافلة الدول التي لا تنتج، زراعة وصناعة وتجارة وعلوماً الخ، ما يكفي لإطعام أهلها خبزاً، فضلاً عن تأمين مستقبل شعبها الفقير في أرضه التي معظم مساحتها صحراء.

والحقيقة أن العرب لم يعرفوا، في تاريخهم المعاصر، «الدولة» حقاً. كانت بلادهم تتوزع على ولايات في إمبراطورية أجنبية، أو تحت حكم الخلافة العربية الإسلامية انتهاء بالسلطنة العثمانية، مروراً بـ«الدول» أو «الإمارات» التي اقتطعتها سيوف «الولاة»، فجعلوا منها «كيانات» قائمة بذاتها، ولكن تحت حماية الدول الأقوى في جوارها.. وإن ظلوا يجهرون بولائهم للخليفة أو السلطان (لا فرق بين أن يكون مملوكياً تحت الراية الفاطمية أو عثمانياً..)، أو أنهم اندفعوا إلى طلب حماية الأباطرة الأجانب مع دفع تكاليف الحماية. على أن مملكة المغرب ظلت استثناء، تتوارث العرش فيها أسر تنتسب إلى الدوحة الهاشمية، وآخرها الأسرة العلوية الحاكمة الآن.

ومع بداية القرن التاسع عشر، نجح محمد علي باشا، الألباني الأصل، في الاستقلال بمصر عن «السلطنة»، بل إنه قد حاربها وطارد جيوشها حتى قونية في تركيا، وباشر بناء دولة حديثة، مستفيداً من تداعيات حملة نابليون.

في ليبيا حلّ الطليان محل العثمانيين ابتداء من العام 1911، وحوّلوا البلاد إلى مزرعة لهم، حيث الأراضي خصبة، دافعين الليبيين الذين رفضوا الاحتلال وقاوموه تحت قيادة عمر المختار إلى الصحراء. وبعد الحرب العالمية الثانية جعلها الحلفاء (وأساساً الإنكليز ومعهم الفرنسيون) مملكة اتحادية، واختاروا لها شريفاً (من آل البيت) من «السنوسيين». وهكذا بقيت حتى الستينيات ثلاث ولايات: الشرق عربي، وطرابلس الغرب «طليانية»، وفزان «فرنسية».

وعلى الطريق إلى قيام هذه الدول سقطت فلسطين سهواً، لتكون دولة يهود العالم في ظل هزيمة مدوية للدول العربية، التي لم تكن دولاً بالمفهوم المعروف للدول، وستكون حرب فلسطين مناسبة لانكشاف هزال هذه الدول وعجزها عن حماية كياناتها.
ظل الفرنسيون في لبنان وسوريا حتى أواسط الأربعينيات، وظل الإنكليز في العراق ـ عملياً ـ حتى أواخر الخمسينيات. أما في الخليج أو «الساحل المتصالح»، فقد ظل البريطانيون فيه حتى الأمس القريب.

أما اليمن بذاتها فكانت «مملكة» يحكمها إمام من الزيود الذين يعودون بنسبهم إلى الدوحة الهاشمية، وقد «استنكفت» القوى الأجنبية عن «استعمارها» لشراسة أهلها في الدفاع عن أرضهم، وربما أيضاً لفقرها. ثمّ أنها كانت محاصَرة بالقوات الأجنبية (البريطانية أساساً) وبالوهابية التي اتخذ آل سعود منها سلاحاً للدعوة إلى العودة بالناس إلى الدين الحنيف. ولقد فشلت دولتهم الأولى التي أسقطها القائد ابراهيم بن محمد علي باشا والي مصر، بطلب من العثمانيين، فاجتاح ديارهم وحطّم «الدرعية» منطلق دعوتهم. لكنهم أعادوا تنظيم صفوفهم، وركّزوا حملتهم ودعوتهم في بلاد نجد، حتى إذا كانت الحرب العالمية الأولى اندفعوا، وقد أفادوا من تجربتهم الأولى ثمّ الثانية، فعقدوا المعاهدات مع البريطانيين الذين كانوا موجودين على امتداد سواحل الخليج. وفي ظل تواطؤ دولي تقدّموا إلى الحجاز، حيث كان يحكم الشريف علي بن الحسين (مطلق الرصاصة الأولى في «الثورة العربية» كمدخل إلى توحيد بلاد العرب تحت رايته، في حماية البريطانيين). وخلعوه من دون مقاومة تُذكَر، وسيطروا على البلاد ـ القارة التي تحوي مقدّسات المسلمين.

وفي تونس حلّ الفرنسيون محل العثمانيين حتى الخمسينيات. أما الجزائر فسوف تتأخر عودتها إلى الحياة كدولة حتى أوائل الستينيات وبعد ثورة المليون شهيد واحتلال، لعله الأبشع في التاريخ الإنساني، دام لقرن ونصف القرن.

أما في المشرق فإن دوله جميعاً، في ما عدا اليمن، قد استولدت بحدودها الراهنة، وفي الغالب قيصرياً، في عشرينيات القرن الماضي: لبنان، سوريا، الأردن، العراق. على الطريق إلى قيام هذه الدول سقطت فلسطين سهواً! بل هي أُسقطت عمداً، لتكون دولة يهود العالم في ظل هزيمة عربية مدوّية. وستكون حرب فلسطين مناسبة لانكشاف هزال هذه الدول التي لا تملك أي منها مقومات الحياة، إلا تلك التي حبتها الطبيعة بالنفط (وبالغاز في حالات أخرى).

وسوف يُقام الكيان الإسرائيلي سنة 1948 بعد تمهيد طويل على الأرض الفلسطينية، بحماية الانتداب البريطاني ومساعدته العلنية. وسوف تعجز الدول العربية المحيطة بفلسطين (مصر، وإن عزلتها عنها سيناء، وسوريا، ولبنان الذي كان كيانه قيد الإنشاء، والأردن الذي كان بادية).

كذلك سيبقى البريطانيون في العراق حتى أواخر الخمسينيات (1958)، حيث قام الجيش بثورة خلع فيها الملك فيصل الثاني حفيد فيصل الأول ابن الشريف حسين. وبعد ذلك ستتوالى الانقلابات تحت لافتة الثورة وإرادة التغيير، حتى تسقط مغامرات صدام حسين العراق بالضربة الأميركية القاضية، قبل أن يُترك في قلب الفراغ الذي يملؤه هذه اللحظة صراع الطوائف والأعراق (شيعة وسنة، عرباً وكرداً..).

ماذا تستطيع قمة تغيب عنها أهم دولتين في المشرق (سوريا والعراق) وينتفي فيها تأثير مصر بوزنها المؤثر، وتقوم في ميدان مفتوح للحروب الأهلية؟ ماذا تستطيع أن تقدّم مثل هذه القمة التي يحضرها القادة المذهَّبون، في حين تغيب عنها شعوب الأمة بدول القلب فيها؟

هي قمة أخرى في قلب البؤس.. في انتظار فجر عربي يبدو أن انتظارنا له سيطول.

GMT 09:30 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

كيف الخلاص من .. الشيكل ؟

GMT 03:30 2017 الإثنين ,10 تموز / يوليو

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

GMT 05:25 2017 الخميس ,08 حزيران / يونيو

هكذا ولدت

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة في آخر خيمة عربية موريتانيا القمة في آخر خيمة عربية موريتانيا



GMT 03:37 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عبايات "دولتشي آند غابانا" لخريف وشتاء 2019
المغرب الرياضي  - عبايات

GMT 05:47 2023 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023
المغرب الرياضي  - أفضل 50 فندقاً حول العالم لعام 2023

GMT 01:32 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
المغرب الرياضي  - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال

GMT 11:17 2012 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يؤكد عدم تخليه عن حمدي في محنته خلال حفل الرواد

GMT 22:56 2017 الإثنين ,28 آب / أغسطس

البزغودي لاعب الجيش يخضع لفحوصات طبية

GMT 15:33 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أولاس يشيد بفريقه قبل مواجهة شاختار دونيتسك الأوكراني

GMT 10:19 2022 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

وليد الركراكي يرُد على منتقديه بسبب عبد الرزاق حمدالله

GMT 05:44 2022 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد النني يُهدي الشيخ مشاري راشد العفاسي قميص أرسنال

GMT 22:45 2022 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبات غولف «أرامكو» في مواجهة الإعلام بجدة

GMT 08:27 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ليفربول يتحدى مانشستر سيتي اليوم في الدوري الإنكليزي

GMT 21:10 2022 الأحد ,22 أيار / مايو

كريم بنزيمة يثير الجدل بعد قرار مبابي
 
moroccosports

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

moroccosports moroccosports moroccosports moroccosports
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib