بقلم : عريب الرنتاوي
في الأنباء، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقمة ثلاثية تجمعهما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو ... الدعوة ذاتها، سبق للرئيس الفلسطيني أن تلقاها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقمة مماثلة في القاهرة، لكنه رفضها بالمماطلة والتسويف، ويبدو أن القاهرة لم تعد شديدة الحماسة لها ... فلماذا يقبل عباس لقاء نتنياهو في موسكو، ويحجم عن لقائه بالقاهرة؟
لدينا ثلاثة مقترحات للإجابة عن هذا السؤال، وجميعها يستند إلى القراءة والتحليل وليس إلى المعلومات والمعطيات الصلبة والموثقة:
الأول؛ أن لروسيا “دالّة” على إسرائيل أكثر مما لدى مصر، ... وأن لإسرائيل مصالح وحسابات مع روسيا، غير تلك التي تحتفظ بها مع مصر... الذهاب إلى موسكو أكثر جدوى وجدية والحالة كهذه، يقول البعض.
الثاني؛ أن للمبادرة المصرية ذيول وتبعات، قد لا تكون موجودة في المبادرة الروسية ... المبادرة المصرية قد تستتبع بلقاءات إقليمية تفضي إلى التطبيع المجاني مع إسرائيل، ، وينتهي الأمر عند هذا الحد... في الحالة الروسية، الأرجح أن موسكو ستذهب بالملف الفلسطيني إلى فضاء دولي، سواء عبر الرباعية أو مؤتمر باريس وربما إلى مجلس الأمن ... هذا المسار، غير واضح وغير مرتسم في المبادرة المصرية..
الثالث؛ الهروب إلى موسكو يمكن أن ينجي الرئيس عباس، مؤقتاً على الأقل، من كثافة الضغوط العربية التي يتعرض لها مؤخراً، تحت عنوان “المصالحة الفتحاوية” ... الإعلان عن قبول عباس بدعوة بوتين، جاء بعد ساعات من نشر مقاطع مصورة للرئيس ينتقد بلغة وصفت بـ “النارية” التدخلات العربية في الشؤون الفلسطيني الداخلية، ومحاولات بعض العرب فرض إملاءاتهم على الفلسطينيين، سواء في شؤون بيتهم الداخلي، أو فيما خص مسارات التفاوض وعملية السلام مع حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، فهل هي صدفة أن يتزامن الحدثان بفارق ساعات قلائل فقط؟
ثمة إحساس فلسطيني عميق، بأن “الرباعية العربية”
التي ظلت في غيبوبة تامة، أو حالة “وفاة سريرية” لردح طويل من الزمن، تستيقظ اليوم محمّلة بهاجسين اثنين: الأول، إدراج الساحة الفلسطينية في عداد الساحات العربية المفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية مع الإسلام السياسي، الإخواني بخاصة، فضلاً عن حرب المحاور والمذاهب مع إيران وهلاها ومحورها ... والثاني، هاجس الاستعداد لمرحلة “ما بعد عباس” وإحساس الرباعية بالحاجة لتجهيز البيت الفلسطيني ليكون قابلاً بخيارات وبدائل سياسية جديدة غير مجدية..
في ضوء هذين الهاجسين، يتحرك الرئيس عباس وتتحرك القيادة الفلسطينية هذه الأيام، بكثير من الانفعال والعصبية حياناً، وبالمناورة والمراوغة والمداورة أحياناً ... قبول عباس بدعوة بوتين أو مبادرته، ربما يندرج في سياق النوع الثاني من التكتيكات التي تعتمدها القيادة الفلسطينية للهرب من ضغوط ذوي القربى.
هل سينجح الرئيس عباس في الإفلات من “استحقاقات الرباعية العربية”؟
سؤال تصعب الإجابة عنه، فهناك مواقف وإشارات متناقضة تصدر عن القيادة الفلسطينية من جهة، و”الرباعية العربية” من جهة ثانية، لها تأثير بالغ على معادلة صنع القرار الفلسطيني، ولديها أوراق ضغط ثقيلة للغاية، وربما يمكن القول إنها قد تكون في بعض المراحل أقل تسامحاً من الرباعية الدولية، التي لم يقبض الفلسطينيون منها إلا الريح والوعود الزائفة والانحياز لإسرائيل.
العرب يتحركون على المسار الفلسطيني خدمة لمصالحهم وحساباتهم الخاصة، وانسجاماً مع أولوياتهم وأجندات صراعاتهم وحروبهم البينية ... والفلسطينيون يجدون أنفسهم في مأزق جديد، تفاقم من حدته وخطورته، حالة التردد و”فراغ القيادة” التي تعيشها الساحة الفلسطينية، والتي سمحت بحدوث مثل هذه التدخلات، وأغرت القاصي والداني على ممارسة حظوظه في التدخل وفرض الإملاءات.