بقلم : عريب الرنتاوي
العراقيون هم الأكثر تفاؤلاً بقرب الحسم والنصر في معركة الموصل، ولديهم في ذلك، خصوصاً العسكريين والأمنيين منهم، من المعطيات حول الاستعداد والحشود التي أجروها، والحالة في المدينة الرازحة تحت نير الإرهاب لأكثر من عامين، وتآكل الروح القتالية والمعنوية للدواعش، ما يكفي للتبشير بنصر قريب وحسم مؤكد.
في المقابل، ومن باب خفض سقف التوقعات، والتحوط لما قد يطرأ من مفاجآت، يكرر المسؤولون الأمريكيون التصريحات المشددة على “طول أمد المعركة وصعوبتها” … هناك من يعتقد أن هذا “التهويل” الأمريكي، يندرج في إطار “تظهير” النصر في معركة الموصل، لتعظيم فرص الاستفادة منه وتوظيفه في المعركة الانتخابية بين الديمقراطيين والجمهوريين… في ظني أن معركة الموصل، لن تكون نزهة قصيرة، بيد أنها لن تكون “ستالينغراد” الدواعش.
على ضفة بعض الإعلام العربي ، تنحو “التغطيات” لإظهار “بسالة” التنظيم، وقتاله المستميت دفاعاً عن “دولة الخلافة”، تزامناً مع نشر مئات المقالات والمقابلات والتعليقات والتقارير، المحذرة من “المجازر الطائفية” القادمة، والمبالغة في تصوير مستويات الخوف والقلق لدى العراقيين من أهل السنة، من الجيش والحشد الشعبي وحكومة العبادي، بوصفها أذرعاً ومؤسسات شيعية، مسيّرة من طهران.
وأحسب أن المشهد العراقي المصاحب لمعركة الموصل، التي تنخرط فيها قوى إقليمية ودولية فاعلة، إنما يتكشف عن جملة من المبالغات، التي يجري تضخيمها وتوظيفها لتحقيق أهداف وأجندات أخرى، ولعل من أبرز وأخطر هذا المبالغات، الجزم بأن تحرير الموصل من قبضة داعش الإرهابي، سينتهي إلى أوسع عمليات “ترانسفير” جماعي وإحلال سكاني في ثاني مدن العراق، ستتم التوطئة لها بمجازر جماعية، تقارفها ميليشيات الحشد الشعبي ضد أهل المدينة وساكنيها من العرب والتركمان – وربما الأكراد – السنة…. ومن دون التقليل من خطورة ما يمكن أن تقوم به بعض الميليشيات المذهبية غير منضبطة، أعتقد بأن حكومة بغداد وحلفاءها الغربيين بخاصة، قد اتخذوا ما يكفي من الإجراءات، لجعل هذه المبالغة و”التهويل” في غير موضعهما.
ومن هذه المبالغات، ما ينشر من تقارير حول استعدادات داعش لخوض حرب ستأكل الأخضر واليابس دفاعاً عن آخر وأهم معاقل “دولة البغدادي” في العراق … تقارير عن الأنفاق والانغماسيين والانتحاريين والسيارات المفخخة، تغاير كل ما نعرفه وتعرفه الجهات المختصة، حول تراجع الاستعدادات القتالية للتنظيم وتآكل روحه المعنوية وقدرته على التجنيد، وهروب قياداته الرئيسة وعائلاتهم منذ زمن إلى سوريا وخارجها.
في المقابل، لا نرى في هذه “التغطيات” أي مستوى من الاهتمام بما نعرفه عن ضيق أهل الموصل بداعش، ومقاومتهم له، وانتظارهم بفارغ الصبر، لحظة الخلاص من نير حكمه “القروسطي”، بل على العكس من ذلك، ما زلنا نقرأ ونسمع ونشاهد، تقارير مغايرة، تسعى في إقامة التماثل بين التنظيم الإرهابي وأهل السنة والجماعة من العراقيين، إن لم يكن حباً به، فكرهاً بـ “الروافض” و”المجوس”؟!
نقول ذلك، ولسنا نجهل تعقيدات المشهد العراقي، التي سمحت لداعش بالبقاء والتمدد طوال العامين أو الثلاثة أعوام الفائتة، من نوع السياسات المذهبية الإقصائية لحكومة بغداد، ونشوءالمليشيات المذهبية السائبة، واتساع حدة الفجوة بين المكونات العراقية … لكن معركة الموصل، وإن كانت وحدها غير كافية للقفز من فوق مختلف هذه التحديات، إلا أنها نجحت في وضع العراق بمختلف مكوناته، وربما لأول مرة منذ 2003، أمام لحظة استثنائية تاريخية، قد يجري توظيفها والبناء عليها لاستعادة المصالحة وإعادة بناء علاقة سليمة ومتوازنة بين مكوناته، وقد يجري تبديدها والعودة إلى أوضاع ستكون أسوأ بكثير مما كانت عليه حال العراق، قبل يونيو/ حزيران 2014، عندما نجح “داعش” في اقتناص لحظة ضعف عراقية استثنائية، ليفرض نفسه لاعباً أساسياً، يحتل نصف العراق ويهدد نصفه الآخر.