بقلم : عريب الرنتاوي
لطالما اتخذت سلطنة عُمان لنفسها نهجاً مستقلاً في السياسة الخارجية، على الرغم من كونها دولة خليجية، وعضواً مؤسساً في مجلس التعاون للدول النفطية الست … وقد ظهّرت عُمان “استقلاليتها” عن شقيقاتها الخمس الأخرى، في السنوات الخمس الأخيرة، كما لم تفعل من قبل.
أمس، التأم قادة دول المجلس في قمتهم السابعة والثلاثين، للبحث في تدبير خطواتهم التكاملية، والانتقال من “التعاون” إلى “الاتحاد” كما سبق للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن دعا لذلك … ومن بين الموضوعات المدرجة على جدول أعمال القمة، عناوين تتصل بإنشاء الشرطة الخليجية (مقرها أبو ظبي) والقيادة العسكرية الخليجية المشتركة (الرياض) والاتحاد الجمركي وغير ذلك من عناوين سياسية واقتصادية، تخص الدول المشاركة.
بعيداً عن السرب، وقريباً منه في الوقت ذاته، تحلق سلطنة عُمان، التي سبق لها وأن تحفظت على فكرة “الاتحاد الخليجي” وآثرت عليه صيغة التعاون القائمة … وهي من بين الدول التي تحفظت كذلك على مشروع “العملة الخليجية الموحدة”، وطالما أبدت تحفظات على فكرة “الجيش الخليجي الموحد” وغير ذلك من عناوين، قد تخرج السلطنة عن سياسة “الحياد الإيجابي” التي اعتمدتها لسنوات وعقود، شأنها في ذلك شأن عدد آخر من الدول الخليجية، التي غادرت مربع الحياد الذي تموقعت فيه لسنوات طوال قبل أن تلتحق بالمحاور المتقابلة على جبهات الصراع الإقليمي المفتوح في المنطقة.
للسلطنة مقاربة خاصة بها حيال إيران، العدو الأول لقائدة دول التعاون، المملكة العربية السعودية، فهي تعتمد سياسة اليد الممدودة لطهران، زمن الشاه وزمن الثورة الإسلامية، وتقيم معها علاقات سياسية واقتصادية وأمنية نشطة، أهلت مسقط لتكون أولى محطات التفاوض الأمريكي – الإيراني “السرّي” حول برنامج طهران النووي… ويتبادل البلدان الزيارات على أرفع المستويات، وأتاحت العلاقات الدافئة بينهما، حل كثير من الإشكاليات الأمنية بين الغرب وطهران، خصوصاً في مجال تبادل المخطوفين والجواسيس والمفقودين، وفي ساحات عديدة.
وتلعب السلطنة دور الوسيط في الحرب الدائرة في اليمن وعليه، فهي ساحة يمكن أن يلتقي على أرضها مختلف الأفرقاء، استقبلت عبد ربه منصور هادي في رحلة “الهرب” من عدن إلى الرياض، وعلى أرضها يجتمع الحوثيون بالسعوديين، والحوثيون بالأمريكيين، مباشرة أو من خلال دبلوماسية الغرف المتجاورة، ومن خلال أجهزتها الأمنية النشطة، تجري صفقات التبادل للإفراج الأجانب المفقودين في اليمن، يزورها إسماعيل ولد الشيخ إسماعيل، مثلما يزور الرياض، وبأكثر مما يزور أية عاصمة خليجية أخرى.
وفي سوريا، تنتهج السلطنة سياسة مغايرة لشقيقاتها الخليجيات، صحافتها أكثر تعاطفاً مع النظام السوري، بخلاف صحف الخليج التي تتبنى المعارضات السورية المختلفة، وسبق لمستشار الأمن القومي السوري الجنرال علي مملوك أن زارها، ويقال إنه أجرى محادثات مع مسؤولين غربيين هناك، تتعلق بمقاتلين من الغرب التحقوا بالنصرة وداعش في سوريا، ووزير خارجيتها المخضرم يوسف بن علوي عبد الله، زار دمشق والتقى القيادة السورية، والاتصالات بين البلدين لم تتوقف، كما لم يتوقف تبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما، ودائماً بخلاف الدول الخليجية الخمس الأخرى.
وفي العراق، لم تتورط السلطنة في صراعات “الإخوة الأعداء” وآثرت الوقوف على الحياد بين الكيانات والمكونات، وحصرت تعاملاتها السياسية والدبلوماسية مع الحكومة العراقية، بصرف النظر عمن يقودها أو يرأسها، وهي سياسة ثابتة تعود لزمن الرئيس العراقي الراحل، الذي قاطعته دول الخليج، ولم تقطع معه السلطنة.
هي سياسة ثابتة، تعود لسبعينات القرن الفائت، فعندما قاطعت جميع الدول العربية جمهورية مصر العربية على خلفية زيارة السادات لإسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد، حافظت السلطنة على علاقات طبيعية مع القاهرة، وعندما سقطت أنظمة عربية في سياق الربيع العربي، لم تتردد – إنسانياً كما تقول مصادرها – عن استقبال من تقطعت بهم السبل من العائلات الحاكمة.
سياسة عُمان في أزمنة غابرة كانت مقبولة ومحتملة من قبل دول خليجية عديدة، بل أنها كانت قاسماً مشتركاً للسياسة الخارجية لعدد منها، أما اليوم، وفي زمن الاستقطابات وحروب الإلغاء وصراع المحاور، لم تعد هذه السياسة تجد من يدعمها، جهراً على الأقل … ربما تكون الكويت هي الأقرب للسلطنة في مقارباتها، لكن بالنسبة لبقية الدول، فإن السلطنة تغرد بعيداً عن سرب الإجماع الخليجي، ولا بأس والحالة كهذه، من التفكير بصيغة “الاتحاد” بمعزل عنها، مع أنها لم تكن يوماً من أنصار هذا المشروع، وهي آثرت الانحياز لاستقلاليتها السياسية والاقتصادية، مع أنها تمر بظروف اقتصادية صعبة، شأنها في ذلك شأن دول عربية وخليجية عديدة.