بقلم - عريب الرنتاوي
انشغل سياسيون وإعلاميون في البحث والتنقيب عن مضامين “الكنز الاستخباري” الذي كشف عنه نتنياهو والمتعلق ببرنامج إيران النووي ... بعضهم قال إنه يكشف “المستور” من هذا البرنامج، وأن عرض نتنياهو أمس، يذكر بعرض الوزير كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي في 2003، توطئة لغزو العراق من قبل، أو تمهيداً لضرب إيران من بعد ... جُلّهم رأى المؤتمر الصحفي لنتنياهو استعراضاً فارغاً، أقرب للمسرحية الهزلية، التي تليق بالرجل وتنسجم مع شبقه بالحكم، وانجرافه وراء الأضواء وعدسات الكاميرات.
قليلون هم من أولوا اهتماماً للعملية الاستخبارية ذاتها، والتي كما تقول المصادر الإسرائيلية، تمت في يناير الفائت، أي قبل أكثر من شهرين، وبعد عمليات رصد ومتابعة منذ العام 2016، أي منذ أكثر من عامين، وانتهت بالسطو على نصف طن من الأوراق والملفات والأقراص المدمجة، التي جرى إخراجها من طهران في يوم السطو ذاته.
في ظني أننا أمام “صفعة كبرى” تلقتها أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، إذ كيف يمكن لجهاز مخابرات أكثر الدول عداءً لإيران، أن يضرب في قلب العاصمة: (1) أولاً بكشفه للمستودع المصمم بحيث لا يلفت الأنظار ... (2) معرفة أهمية المعلومات والوثائق التي يحتوي عليها ... (3) رصده لأزيد من عامين متتالين، من دون أن تتنبه أجهزة الدولة الأمنية و”الثورية” ... (4) اقتحام المستودع وفتح خزائنه الفولاذية ومصادرة محتوياته ... (5) نقلها في شاحنة متوسطة أو عدة سيارات (لا أعرف)، وفي اليوم ذاته، ومن دون أن تلفت انتباه أحد... (6) كيف أمكن لهذا “الكم” الهائل” من الوثائق، أن “يغادر” البلاد، وعبر أية طرق؟
على أن السؤال الأهم الذي تثيره العملية الاستخبارية، التي وصفت إسرائيلياً بأنها من أكبر، إن لم تكن أكبر العمليات التي نفذها هذا الجهاز المعروف بأذرعته الاستخبارية الطويلة هو: لماذا لزمت المخابرات الإيرانية الصمت حيال هذا الاختراق طوال هذه المدة، هل كانت تعرف مصير المستودع ومحتوياته المنهوبة، أم أنها عرفت وآثرت الصمت من على قاعدة “إذا بُليتم فاستتروا”؟ ... هل ثمة مراجعات ومحاسبات، ومن طاولت من الرؤوس، أم أنها ما زالت قيد التدقيق والمراجعة والتمحيص؟
كنا نعرف أن هناك عملا استخباريا إسرائيليا مكثفا موجها صوب إيران، تارة من خلال اغتيال عالم نووي، وتارة ثانية من خلال هجوم الكتروني، وثالثة من خلال رصد أهداف وتجميع معلومات عن البرامج الإيرانية الحساسة، خصوصاً البرنامجين النووي والصاروخي ... لكننا اليوم، بتنا على يقين من أن حجم الاختراق كان أكبر مما كان يعتقد أكثرنا “انبهاراً” بقدرة الموساد على تنفيذ عمليات “خلف خطوط العدو”.
هنا سأفتح قوسين، لأضع بينهما تقدير شخصي، غير مستند إلى أي مصدر أو معلومة، مفاده أن عملية بهذا الحجم والدقة والتعقيد، ما كان تنفيذها ممكناً من دون تعاون شخصيات وجماعات إيرانية معارضة، لها امتداداتها في الداخل الإيراني، وأحسب أن أكثر القوى احتمالاً للقيام بهذا الدور، هي منظمة “مجاهدي خلق”، التي سعت باستمرار للكشف عن معلومات حول برامج التسلح الإيرانية، ولطالما أرسلت بتقارير للغرب، هدفها تفنيد الرواية الرسمية الإيرانية، وإقناع الغرب بأن إيران ماضية في برنامجها النووي، توطئة لاستدراجه إلى حرب شاملة ضد إيران، ودائما بذريعة “النووي الإيراني”.
وهذه اللعبة (لعبة استدراج التدخل الغربي) جرى تجريبها مرتين على الأقل، في العراق وسوريا، وبنجاح ظاهر، فقد لعبت المعارضة العراقية (بالأخص أحمد الجلبي) دوراً رئيساً في إقناع دوائر غربية واسعة بأن نظام الرئيس صدام حسين يتوفر على أسلحة دمار شامل، فيما المعارضة السورية لا تكف عن نصب “الفخاخ الكيماوية” للنظام، لاستدراج تدخل أمريكي – غربي عسكريا في سوريا... وطالما أنها لعبة مجدية، ومضمونة النتائج وقليلة التكاليف، فلماذا لا يجري تكرارها في إيران؟.
لست هنا بصدد اتهام أحدٍ بالتجسس لإسرائيل أو “خيانة” وطنه، فهذه ليست مهمة هذه المقالة، بيد أنني استحضر وقائع مشابهة، في محاولة لتفسير ما جرى في طهران، وما جرى هناك، أمرٌ جلل، يقترب من مستوى الفضيحة، التي لا ينفع معها إنكار أو مكابرة.